المؤلف : مجموعة باحثين – تحرير : حمدي عبد الرحمن
الناشر : منتدى العلاقات العربية الدولية
عدد الصفحات: 258 صفحة
سنة النشر : 2015 م
قد أثبتت الثورات التي شهدتها عدد من الدول في المحيط العربي وشمال افريقيا في مطلع عام 2011م بداية من تونس، مرورا بمصر ثم ليبيا أن المؤسسة العسكرية دائما ما تلعب دورا -كبر أو صغر- في تغيير النظام الحاكم أو إحباط محاولات تغييره.
فقد تجلى فيها أن المؤسسة العسكرية إما شجعت عملية التحول الديمقراطي بعدم التدخل في مسار التحول كما حدث في تونس، أو أنها أطلقت حربا دموية بسبب تفككها وتحزبها وعدم احترافيتها كما حدث في ليبيا، أو على الأقل قاطعت مسار التحول الديمقراطي عبر الانخراط في السياسة الداخلية ودعم أحد أطراف المنافسة السياسية على حساب الطرف الآخر كما حدث في مصر.
لا يعنى الكتاب بتلك الحالة العربية ولكنها لأنها الحالة الأقرب في الواقع التاريخي، وإنما يعنى الكتاب بدور المؤسسة العسكرية في التحول الديمقراطي في أفريقيا، وتحليل تلك الأنظمة التسلطية الاستبدادية التي طالما أعاقت ذلك التحول الديمقراطي في المنطقة، وما يتبع ذلك من تأخر التنمية والاقتصاد.
و ناقش الظاهرة الانقلابية في القارة الأفريقية، وتحول العسكر إلى نخب سياسية، مما أدى إلى تقويض التعددية السياسية، وقيام الأنظمة التسلطية الأبوية، بعد أن أظهرت تلك المؤسسات العسكرية المنقلبة نفسها بأنهم حماة الأمة، وجاءوا بشرعية الخلاص الوطني، والإنقاذ الوطني من نخب سياسية فاسدة صنعت ممالك سياسية قائمة على المصالح الاقتصادية والتربح بالسياسة.
وأشار إلى الدراسات التي عنيت بالأداء الاقتصادي والسياسي لتلك الجيوش المنقلبة والتي أثبتت أن أداء تلك الحكومات أضعف وأفقر بشكل كبير من أداء الحكومة المدنية.
أما من ناحية القيم الديمقراطية والاستبداد أشار الكتاب إلى ما قدمته (فريدوم هاوس) من إحصائيات مفادها أن 34 من الحكومات العسكرية من أصل 36 حكومة عسكرية أي ما نسبته 94% صنفت على أنها أنظمة مستبدة وتفتقد للحريات المدنية الأساسية.
كما أنه لم يهمل _الكتاب_ تفسير تلك الدوافع للانقلابات العسكرية، ومحاولة تحليل بنية المؤسسات العسكرية المنقلبة، وأثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية الخارجية الميسرة لحدوث مثل هذه الانقلابات، أو استيلاء المؤسسة العسكرية على السلطة السياسية.
ويكشف أن من أكثر العوامل المحفزة لاستيلاء العسكر على السلطة التخلف البين في المؤسسات والنخب السياسية المدنية، نوع النظام السابق، والمصالح الذاتية للمؤسسة العسكرية وما كانت تحصل عليه من امتيازات سابقة في ذلك النظام، بالإضافة إلى مدى نفوذها السياسي في ظل النظام السابق.
وقد تكون عوامل خارجية عن المؤسسة العسكرية كالدعم الشعبي للمؤسسة العسكرية ونظر الناس للجيش بأنه جيش الأمة ومحقق طموحها، لا سيما عند الإحساس بالمهددات الأمنية، والخطر الداخلي، وقد يكون هنالك فاعلون خارجيون يعملون على سيطرة المؤسسة العسكرية على حساب المؤسسات المدنية.
كما أن الكتاب يضع أهم الخطوط الواضحة في كيفية استعادة وتدعيم الهيمنة المدنية على المؤسسة العسكرية ودور المؤسسات السياسية التنفيذية والتشريعية في ذلك.
يحاول الكتاب أن يضع أهم التقاطعات بين المؤسسة السياسية المدنية من جهة والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى وأثر سيطرة إحدى هاتين المؤسستين على الأخرى على القيم الديمقراطية أو التحول الديمقراطي في الدول المبتدأة أو التي تخطو خطواتها الأولى نحو تحقيقها.
وما هي أهم الحقوق السياسية التي يمكن أن يحتفظ بها العسكريون، أو حدود المشاركة العسكرية في المجال السياسي.
فإن المؤسسة العسكرية لها مهامها الأساسية مثل الدفاع الخارجي عن الدولة، والإعداد للحرب، وإجراء الأنشطة العسكرية والحربية، وإدارة الجهاز الإداري العسكر، والتدريبات والتخطيط الاستيراتيجي.
كما أن لها مهام في الأمن الداخلي والسياسات العامة كالمحافظة على النظام العام في حالات الطوارئ، وفي حال الكوارث، وتجميع معلومات استخباراتية داخلية.
كما أنه ليس لها أن تتدخل في صنع السياسات العامة كوضع الميزانيات للدولة، وتسيير أعمال أجهزة الحكومة المختلفة، وصياغة السياسات العامة المعنية ببرامج الرفاه الاجتماعي.
وأشد المساحات حرمة على تدخل العسكر فيها اختيارات القيادات السياسية والتنفيذية والتشريعية، ومعايير الاختيار، وعمليات التوظيف.
وقد لا يبدو ذلك التمييز الواضح بين ما هو مدني وما هو عسكري أمرا مطردا في كل الدول وفي كل المؤسسات العسكرية، فإن ذلك يختلف باختلاف البلاد من حيث تركيبة الجيوش فيها، والبنية الاجتماعية والثقافية لكل دولة.
غير أن هذا الفصل التام بين المؤسستين يقدم كنظرية لتحليل العلاقة بين السلطة المدنية والعسكرية في الدول الأكثر ديمقراطية، وتقوم تلك النظرية على فرضية مفادها أن المؤسسة العسكرية يجب أن تبقى منفصلة ماديا وأيدولوجيا من المؤسسات السياسية بالدولة.
وبالتالي ليس لها أي سبب للتدخل في السياسات والمؤسسات المدنية، ويقتضي ذلك مجموعات من المؤسسات المدنية لديها القدرة على فرض سيطرتها السياسية على القوات المسلحة.
وقد تساعد المؤسسة العسكرية نفسها في انقيادها للمؤسسة السياسية إذا كانت جيوش احترافية قادرة على تقديم النصح والمشورة للقيادة المدنية والجاهزية للدفاع عن الدولة دون الانخراط في عملية صنع القرار السياسي.
ويؤكد الكتاب أن السيطرة المدنية في أمثل حالاتها عندما تكون السلطة النهائية فيما يتعلق بالأنشطة العسكرية في أيدي مسئولي الحكومة المدنية.
ومدى السيطرة المدنية تكمن في الاختصاصات العامة للدولة:
-1الدفاع الخارجي 2- الأمن الداخلي
3-السياسات العامة 4- اختيار القيادات
لم ينس الكتاب أن يثير التساؤلات عن الأنظمة الأقل ديمقراطية أو تشهد حالة من التحول الديمقراطي، ما هي طبيعة العلاقة بين المؤسسة المدنية والعسكرية؟
فقدم لتحليل تلك العلاقة نظرية التنافس المدني العسكري، وتنظر إلى أنها علاقة تنافسية بين العسكريين والمدنيين للسيطرة على خمس مناطق رئيسية في صنع القرار السياسي.
-تجنيد النخب
– صنع السياسة العامة
– الأمن الداخلي
– الدفاع الوطني
– التنظيم العسكري.
ولا شك أن هذا التنافس لا يحصل في فراغ مجرد من العوامل الخارجية والاجتماعية والثقافية، فلا بد من ملاحظة العوامل التي تؤثر على هذا التنافس بين العسكر والمدنيين وترجح كفة ما.
ويمكن رسم خطوطها العريضة تحت البنود الآتية:
الظروف المدنية التي تعقب التحول الديمقراطي:
مثل نوع النظام السابق، ومدى الامتيازات التي تمتعت بها المؤسسة العسكرية، ومدى نفوذها في الشأن السياسي، ونوع الحكم العسكري.
عوامل عسكرية ذاتية:
مثل : الثقافة التنظيمية المسيطرة على تلك الجيوش، مستوى الانضباط الداخلي، الانصياع للأوامر، تماسكها الداخلي، موقفها الاقتصادي (حجم موازنتها- مصادر تمويلها- ماتديره من مشروعات عسكرية وغير عسكرية).
عوامل خارجية عن المؤسسة العسكرية:
مثل: الدعم الشعبي للنظام الحاكم، التوافق المدني على الديمقراطية، الفاعلون الخارجيون، المجتمع المدني النشط، إدراك التهديد الخارجي.
تجد في هذا الكتاب دراسة تفصيلية للحالة الإفريقية ودور الجيوش في السياسة وطبيعة الدور السياسي وتحديات التحول الديمقراطي.
فإن الخبرة اﻷفريقية ما زالت تقدم على أنها مجال خصب للدراسات المهتمة بطبيعة وأبعاد العلاقات المدنية العسكرية المرتبطة بالميراث الاستعماري، حيث كانت الجيوش ولا تزال في كثير من الدول الدور المنوط بها يتمثل في قمع الشعوب مع دعم وحماية الأنظمة القائمة، ولا يزال دور الجيوش غير معروف في كثير من الأحوال، وهناك حالة من الخلط الواضح بين أمن النظام وأمن الدولة، لا سيما في دولة الحزب الواحد.
تغطي هذه الدراسات في الحالة الافريقية طبيعة الجيوش الأفريقية ودوافع تسييسها ابتداء من نشأتها قبل الاستعمار الأوربي، فقد نشأت قبل ذلك جيوش تقليدية في كثير من الممالك الأفريقية التي كانت في حالة احتراب واقتتال مستمر وأطماع توسعية مثل ممالك الزولو والكنغو وكانم وبورنو، غير أن تلك الجيوش كان تدخلها في السياسة نادرا وتخضع لسلطة الحاكم المدني الذي يمثل القائد الأعلى.
بدأت حالة الاضطراب والاختلال في العلاقة بين السلطة المدنية والعسكرية في القرن السادس عشر مع توسع الامبراطورية العثمانية وضمها للشمال الافريقي فقد احتفظ القادة العسكريون بمكانة وسلطات تفوق تلك التي يتمتع بها القادة المدنيون.
وعندما جاء الاستعمار بنى جيوشا استعمارية للدفاع عن مصالح تلك البلاد المستعمرة، وأخذت تلك الجيوش الأفريقية خبرة المؤسسة العسكرية الاستعمارية في الخلط بين العسكري والمدني والتدخل في القضايا السياسية.
وبعد الاستعمار كانت الرؤية السائدة للحكام الأفارقة هي أن تحول الجيوش الإفريقية وولاءها للأنظمة السياسية الجديدة، وعمد كثير من هؤلاء القادة إلى التوظيف السياسي للجيوش الوطنية لتحقيق مطالب سياسية مثل قمع المعارضة السياسية، وحشد التأييد السياسي، مما ساعد من وجود بيئة مشجعة للانقلابات العسكرية.
وأن من الأسباب الرئيسة لسيطرة العسكر على المشهد السياسي الحكم المدني الذي تنقصه الفاعلية ولا ينهض على مؤسسات قوية، وكان ذلك الضعف في المؤسسة المدنية أو انهيارها المقدمة الضرورية للانقلابات العسكرية، بالإضافة للطموح الشخصي للقادة العسكريين والرغبة في الحصول على الغنائم.
وفي بداية التسعينات شهدت أفريقيا ربيعا ديمقراطيا وحالة من التحول نحوها اجتاح معظم القارة، إلا القليل من الأنظمة العسكرية الأمنية التي ظلت عصية مثل حكم البشير في السودان، وهي مرحلة تحاول أن تؤسس لإعادة صياغة لنموذج العلاقات بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية قائمة على أسس ديمقراطية جديدة، ومع ذلك فقد ظلت هذه الجيوش تحت تأثير الانقلابات وتسييسها مما أسهم في خلق ثقافة عامة يؤمن من خلالها الجيش وضباطه بأن تدخلهم في الحياة السياسية يمثل مشروعا وطنيا.
وما زال الجيش في أفريقيا أحد التحديات الكبرى التي تواجه عمليات الانتقال الديمقراطي ومن أجل ذلك الدور اتخذت منظمة الوحدة الأفريقية قرارا رادعا عام 1999م بهدف معاقبة أي تغيير غير ديمقراطي في المنطقة وظل ذلك ساريا في الاتحاد الأفريقي، ومع ذلك لم تستطع هذه القرارات أن تمنع حالات الانقلابات في العديد من الدول الافريقية.
وقد تمكنت بضع دول أفريقية من الحفاظ على حيادية الجيش وعدم تدخله في الحياة السياسية مثل بتسوانا وموريشيوس وجنوب أفريقيا وتونس.
أما على صعيد العلاقات العسكرية المدنية في أفريقيا فإن أبرز الملامح العامة المميزة لنمط العلاقات المدنية العسكرية هو هيمنة النمط البريتوري (الانقلابي) الذي يتميز بالتدخل المباشر للعسكر في الشأن السياسي، وعدم احترام مبدأ السيطرة المدنية على العسكريين، ونخب مدنية ضعيفة وعاجزة عن السيطرة.
أما الدول التي لم تشهد تدخلا مباشرا للعسكر في الحياة السياسية فإنها سلكت مسالك واستيراتيجيات عدة في السيطرة وتقليل تدخل الجيش في السياسة.
ويمكن تقسيم أنماط السيطرة على النحو الآتي:
شرعية النظام، والاستيراتيجيات المتبعة حكم صالح يراعي انتخابات حرة ونزيهة، حكومة مسئولة، احترام حقوق الإنسان، إيمان الجيش بالقيم والمعايير الديمقراطية، وسيادة قيم الاحتراف والاستغلال داخل الجيش، وميزانيات عسكرية ضخمة.ومثال ذلك تنزانيا وموريشيوس.
الضامن الخارجي، وجود قواعد أجنبية، وجود ضباط أجانب في مراكز حيوية، وجود تعاون إقليمي، مثال توغو والكاميرون وجيبوتي.
خيار المكآفات، من خلال استرضاء الجيش والضباط، الترقيات والتعيينات على أسس قبلية أو نسبية أو عرقية، مثال كينيا، وزامبيا
الاختراق والسيطرة العسكرية، من خلال إيجاد مفوضين سياسيين في سلك الضباط، التسييس من خلال التعيينات الحكومية للعسكر، مواجهة العسكر بالبرلمان واتخاذه مركز الثقل في تلك المواجهة، مثال انغولا موزبيق غينيا.
إن فرص تحول ديمقراطي تظل ضعيفة طالما أن الجيش له القدرة على التدخل المباشر في الشأن السياسي، وطالما أنه الجهة الفاعلة التي لديها المكنة من الاستخدام المفرط للقوة.