كتب بواسطة : بن جون، المحرر
مايو، 2019
تحذير: هذا التحليل يحتوي كشفاً لحبكة فلم “إسكارفيس”
“ماطار طيرٌ وارتفع، الا كما طار وقع”
هذا الشعار يمثل جوهر فيلم إسكارفيس، لـ(براين دي بالماس 1983) الملحمية العصابية الأشهر في عالم الافلام.
في النهاية، الجميع يخسر.
على امتداد هذا المقال، أسعى لتشريح ما يعتقد الكثيرون بأنه أفضل فلم عصابات تم صنعه حتى الآن، وذلك حتى أتمكن من توضيح جماليات الرمزية العدمية المضمنة في الفلم.
مقدمة: ما هي العدمية؟
العدمية، باختصار، هي الإيمان بأن الحياة بالتحديد عديمة الجدوى. هناك العديد من أنواع العدمية سنسوق بعضها باختصار شديد هنا :
– العدمية المعرفية : الإيمان بأن كل ذلك الذي وجد، كان يمكن أيضا ألا يوجد.
– العدمية السياسية : الإيمان بأنه من أجل مستقبل ( سياسي ) أفضل، الأديان، النظم السياسية، والاجتماعية يجب أن تترك إلى الأبد.
– العدمية الأخلاقية :الإيمان بأن مفاهيم كالخير الشر عديمة الجدوى، حيث أنه لا يوجد “صواب” مطلق في الكون.
– العدمية الوجودية: الإيمان بأن الحياة بذاتها بلا معني او قيمة.
إنني في هذه المقالة أنظر بالتحديد لكيفية احتواء إسكارفيس على عناصر أخلاقية، سياسية ووجودية من العدمية. حبكة القصة في إسكارفيس هي –وكما يمكن أن نطلق عليها- “من القاع إلى الثراء” في أكثر الصور أدبياً. في بداية الفلم، توني أقرب ما يكون لكونه معدماً ويعمل لساعات طويلة كغاسل للأطباق. ومع نهاية الفلم، فإنه يمتلك قصراً طائلاً، العديد من السيارات، ونمر، إنه غني بجنون.
(1) طبقا للتعريف الحالي فإن العدمية المعرفية تعرف بأنها: الشك في جميع المعارف البشرية على أنها غير صحيحة، أو أننا غير قادرون على التاكد من صحتها وضبضها فبالتالي ليست ذات قيمة، وهو تشكيك في وجود المعرفة بالتالي في قيمتها . | المترجم
بالرغم من ذلك، فإن توني (آل باتشينو) ليس سعيداً، بالرغم من الوصول “للقمة”، يخوض جدالات مع زوجته، الفيرا (ميشيل فايفر) أثناء وجبة العشاء، ويجلس وحيداً في منزله يستنشق الكوكايين. لديه كل ما يرغب به، وبالرغم من ذلك فأنه يشعر بعدم التحقق، المصور السينمائي جون ا.الونزو يؤطر توني كجسم صغير في خضم “غرفة العرش” المبالغ فيها ليبرز هذا المعنى بدقة.
الفيرا (فايفر) هي الأخرى تواجه أزمة وجودية خاصة بها، وبالاقتباس من كلمات توني:
“أنت ليس لديك ما تفعلينه بحياتك، ما هذا، لماذا لا تحصلين على عمل؟ افعلىشيئاً، كوني ممرضة. اعملي مع أطفال ضريرين، مصابين بالجذام، هذا النوع من الأشياء، أي شيء يخلصك من الانتظار طوال اليوم، في انتظار مجيئي لمعاشرتك، يمكنني قول ذلك لك.”
إن المتعة الوحيدة التي تستخلصها من الحياة تأتي من إدمانها. إنها بنفسها أيضاً تدرك ذلك، وهذا هو ما يأتي للواجهة في خضم جدالٍ علني أثناء وجبة العشاء.
“ألا يمكنك أن ترى ماذا نصبح، توني؟ إننا فاشلون. إننا لسنا برابحين، إننا فاشلون. ثم بعدها بمدة، وأثناء العشاء، فإنها تقوم كذلك بتصويب رأيها نحو نمط حياة توني، كيف تجرؤ على التحدث إليّ بهذه الطريقة؟ ما الذي يجعلك أفضل مني لهذه الدرجة؟ ما الذي تفعله، قتلُ الناس؟ المتاجرة بالمخدرات؟ المساهمة الحقيقية في تاريخ البشرية، توني! ما الذي يجعلك تؤمن أن بإمكانك أن تكون أباً؟ أنت حتى لا تعرف كيف تكون زوجاً جيداً!”
المخرج دي بالما يضمّن إسكارفيس برسالة أن الثروة، مهما كانت طائلة، لن تمنحك السعادة الحقيقية. بالرغم من ذلك، ولكثير من الأشخاص، فإن الوصول لحجم ثروة توني، هو الهدف النهائي. إذا ما الجدوى من المحاولة إذا ما كان أقصي طموحاتنا لن يمنحنا الشعور بالتحقق الذي نظن أننا نستحقه؟ دي بالما يأخذ موقفا قوياً هنا، بالنظر إلى أحلامنا وطموحاتنا. إن إيمان توني بنفسه يمكنه في النهاية من النجاح والثروة كلاهما، ولكن فقط لمدة قصيرة من الوقت قبل أن يُقتَل. وإثر موته، يصبح توني ضحية جديدة للمتاجرة بالمخدرات، ورقم لا جدوى منه على إحصائية ما.
العدمية الأخلاقية في “إسكارفيس“
بدايةً فإن العدمية الأخلاقية يتم تجسيدها هنا في شخصية توني مونتانا، وهو الذي بذاته غامض أخلاقياً، في حين أن توني لن يقتل النساء أو الأطفال، فإنه سيقتل الأعداد من الرجال، وسيتاجر في كم ضخم من المخدرات على طوال الحدود الامريكية، إن بوصلته الأخلاقية معطوبة، حتى البوستر الدعائي للفلم والأيقوني-حالياً يصور توني كرجل عالقٍ بين الأسود والأبيض، الجيد والسيئ.
في الفلم، يقتل توني بإيعاز من نسخته الخاصة والمشوهة عن العدالة، يقوم بقتل العديد من ضحاياه لأنهم خانوه. إنه لا يقتل ملّ (هاريس يولن)، فرانك (روبرت لوقيا)، ولا حتى ماني (ستيفن بيّر) لأنه يكرههم، إنهم جميعاً يخونونه في وقت ما أثناء الفلم، في هذه الحالة، إذاً، هو ليس برجلٍ سيئ. إنه في الأساس فقط يقوم بحماية مصالحة الخاصة، نفسه. من وجهة نظر المشاهد، نحن لا نرى توني كرجلٍ سيئ، لأن بإمكاننا تفهم رغبته غير المتزنة في الوصول لأعلى سلسلة المفترسين ̶ ولكن هل يجعل ذلك منا نحن أشخاصاً سيئين؟
يواجه توني أزمة أخلاقية أثناء مشهد العشاء مع الفيرا الذي ذكرته سابقاً، حيث ينفجر ويأخذ في الصياح على بقية الجالسين على طاولة العشاء قائلاً:
“إلى ماذا تنظرون؟ أنت جميعاً محض ***. أتعلمون لماذا؟ ليس لديكم الجرأة لتصبحوا ما تريدون؟ تحتاجون أشخاصاً مثلي. تحتاجون أشخاصاً مثلي حتى تتمكنوا من الإشارة بأصابعكم الـ *** نحوه والقول، “هذا هو الشخص السيئ.” إذاً ماذا يجعل ذلك منكم؟ الطيبين؟ أنتم لستم طيبين. أنت فقط تعلمون كيف تتوارون، كيف تكذبون، أنا، ليس لدي هذا المشكلة. أنا، دائماً أقول الحقيقة. حتى حينما أكذب. إذاً قولوا ليلة طيبة للشخص السيئ؟ هيا. هذه هي المرة الأخير التي سترون فيها الشخص السيئ هكذا مجدداً، دعوني أقول لكم. هيا. افسحوا الطريق للشخص السيئ. هناك شخص سيئ يعبر! من الأفضل أن تناءوا عن الطريق!”
يدرك توني هنا أن قانونه الأخلاقي متصدع. حتى وبالرغم من بعض الحسنات فيه والتي يمكن أن تعوض، إن كلمات الفيرا قد تركت أثراً عليه. القتل والمتاجرة بالمخدرات ليست بأمر عادي في مجتمع (حداثي يسعى لتطبيق نموذج أقرب للمثالية ). الأمر الوحيد الذي يمكنه استخدامه للدفاع عن نفسه هو حقيقة أنه واضح بخصوص خطاياه. إن قانون توني الأخلاقي الخاص لن يملك أن يظل واقفاً في محكمة القانون، بطبيعة الحال، كما أن وزن أفعاله العنيفة يصطدم به بالكامل في خضم النهاية، حين الأصدقاء والأسرة يتخلون على السواء عنه.
العدمية السياسية في “إسكارفيس”
في حين أن توني لا يمثل العدمية السياسية بصورتها الكاملة، إلا أنه يمتلك بعض الخصائص لشخص عدميّ أخلاقياً. كمثال:
– توني ضد الشيوعية، حيث أنها تصادر الحرية وتجبر الأشخاص على اتباع الأوامر.
– توني ضد الرأسمالية، كما وضح في مقولته الشهيرة “الرأسمالية هي أن ***”. ومما يضاعف من حجم التعجب، أنه يستخدم نفس النظام لتبييض أرباح الجريمة.
– توني لا يثق بأي أحد سوى نفسه ويتخذ قراراته بأنانية. وهو ما يتبين بوضوح في مشهد ̶ “بمن أثق؟ بي أنا!” ̶ الأيقوني.
– توني لا يتبع فعلاً قانونا أو شرعاً سوى قانونه الأخلاقي الخاص.
شخصياً، أشعر كما ولو أن المخرج دي بالم هو في الحقيقة ضد العدمية. لقد امتلك توني خصائص من عدة معتقدات عدمية وانتهي به الأمر في النهاية ميتاً. إن توني أناني للدرجة التي لا يثق فيها بأحد سوى نفسه ويبتلعه هوس الحصول على المزيد. شخصٌ لا يؤمن بشيء سوى المال سينتهي به الأمر إلى عدم التحقق.
ما هو رأيك؟ هل توني مونتانا شخصية عدمية؟