اسم الكتاب: الهشاشة النفسية (لماذا أصبحنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟)
الكاتب: د. إسماعيل عرفة
الناشر: مركز دلائل
تاريخ نشر الكتاب: 2020م/1441ه
بلد النشر: الرياض/المملكة العربية السعودية
حجم الكتاب: 199 صفحة
يستمد الكتاب أهميته من أنه أول محاولة في المكتبة العربية تتناول مشكلة الهشاشة النفسية بالدراسة من عدة نواحي: مظاهرها، وأسبابها، ومقترحات عملية للتغلب عليها. ورغم أن هذا الموضوع قد قُتِلَ بحثا في الوسط الغربي إلا أن لهذا الكتاب قصب السبق بتتبع تجليات الهشاشة في العالم العربي بالدراسة وذلك بعد ملاحظة المؤلف أن الظاهرة صارت جزءاً من واقعنا المحلي بعد العام 2017 وذلك عقب تغيرات عدة عصفت بمجتمعاتنا أدت للتمحور حول الذات بدلاً من الاهتمام بالسرديات الكبرى للأمة، وعزز هذا الوضع الإنتشار المهول لوسائل التواصل الاجتماعي.
إذن، الكتاب ليس أكاديمياً ولا بحثياً- كما يؤكد الكاتب- بل محاولة إجتهادية تكشف النقاب عن عوار هذا الداء الآخذ في ضخ سمومه بوحشية خصوصاً في جيل زي/z “مواليد 1997 ومابعدها ” كما اصطُلِح، ومن ثم فتح الباب لمزيد إهتمام بها بصورة مكثفة طلباً للعلاج الأمثل!
يتكون الكتاب من مقدمة، وثمانية فصول، ثم خاتمة، وكل فصل منه يتناول استعراض موجز للمشكلة من زاوية منفصلة ثم محاولة إيجاد حلول مقترحة لها.
في الفصل الأول بعنوان “جيل رقائق الثلج”، يوضح لنا المؤلف ماذا يقصد بمصطلح الهشاشة وذلك بتشبيه هذا الجيل برقائق الثلج لسرعة انهياره ولتعزز قيمة الفردانية فيه، وشرح بأمثلة واقعية كيف أن الدلال المفرط أسهم بشدة في تشويه نفسية هذه الفئة، ويقول أننا “أمام جيل غير ناضج يرفض أن يكبر ويتحمل مسؤولياته، يتحطم سريعاً في العشرينيات، يميل لتهويل المشاكل البسيطة وتضخيم الألم لجذب التعاطف!”. فمن المفارقات التي ذكرها أن مرحلة المراهقة الآن تتأخر ممتدة حتى عمر 25 بدلاً من 18 كما في الأجيال السابقة!
ونصح بتعضيد دور التربية، والعمل والإحتكاك بذوي الخبرة مع ملازمة أهل العلم، لتحصيل المزيد من النضج.
في الفصل الثاني تكلم عن: “هوس الطب النفسي”، ينتقد هنا السعي المفرط وراء المعالجيين النفسيين كثقافة عامة”موضة” عند أبسط الصدمات، في حين أن هذه الصدمات في الحقيقة هي جزء من تكوين الحياة! وينقل عن أحد كبار علماء النفس أن مصطلحات الطب النفسي في نفسها غير واضحة المعالم في التشخيص فمثلا: “ما الحد الفاصل بين السواء/الاضطراب النفسي!”، وحذر من التوسع في تضخيم التشخيصات الخاطئة مما يجعل كثير من السلوكيات السوية مرضية!
ويعود ليقول أن للجسم البشري طريقته في التعامل والتكيف مع الضغوط، مثل: البوح، والمشي، واللعب، والأكل، الخ، وأن العقاقير تضاد هذا الإتزان الطبيعي، بجانب مساوئ استخدامها على المدى البعيد!.
وقدم عدة حلول لتجاوز فترات السلبية التي يعاني منها المرء في فترو ما، مثل: العلاقات الإجتماعية المتينة، وملء الفراغ، عدم اللجوء للأطباء النفسيين إلا بعد فترة طويلة، مع ترك مساحة للنفس لمعالجة مشاعرها بنفسها…
بطبيعة الحال، في واقعنا السوداني فلا يبدو أننا نعاني من هذه الإشكالية، فنحن لا نزال ندور في هاجس الخوف من الطبيب النفسي و”الاستقما” التابعة له!
في الفصل الثالث تساءل عن: “الفراغ العاطفي أم الفراغ الوجودي “!
حيث أبان فيه أن الفراغ العاطفي يقتات على عدة عوامل مثل: وهن شبكات القرابة، وضعف الروابط الإنسانية، وتأخر سن الزواج، ودور الإعلام في تجسيد العلاقة بين الجنسين بتكثيف العزف على وتر الحب والرومانسية. وقد هيأ هذا السياق الأرضية المناسبة لخبير العلاقات”اللايف كوتش”، ليكون المستفيد الأكبر الذي يضع لجمهوره قوالب جاهزة من النصائح، التي لا تراعي خصوصية الأفراد! ثم تناول ظاهرة “الفراغ الوجودي” كأحد سمات هذا الجيل، فالإنسان المعاصر يعاني بعيداً في معرفة الغاية من وجوده، في الوقت الذي تجيب فيه الرأسمالية بالترفيه، وتزيده تشتيتاً!
ونصح بالخروج من المازق بالرجوع إلى الله تعالى وتثبيت دعائم الإيمان به سبحانه، حيث سيجد المرء “راحة نفسه وصلاح باله وطمأنينة قلبه في ظلال طاعة الله وأنس القرب به”. وأشاد بدورة التربية الإيمانية للأستاذ “فاضل سليمان” ونصح بالإطلاع عليها حيث يقدم في عشرة دروس مقدمات عن التربية الروحية والتوازن الإيماني للمسلم، وتصوره عن الحياة والموت وما بعد الموت كما قررته نصوص الشريعة.
في فصل جديد بعنوان: “الجانب للمظلم للسوشيل ميديا”، ناقش الكاتب هنا مشاكل وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها:
– تعزيز النرجسية، أي أن الجميع صار يدور حول نفسه ويسعى لتضخيم أناه، ويظهر هذا بجلاء في تنافس حصد اللايكات والتفاعل الايجابي، ومن ثم الخوف من النقد؛ فلا أحد هنا يريد أن يخسر أحداً؛ مما يؤدي لتمييع الأفكار والمعتقدات لتصبح “أفكار من ورق” أي أنها قابلة للتحوير على مقاس الجمهور وقت ما استدعى الأمر.
– التغيير من أجل التغيير، وهوس التصفح والسعي وراء كل ماهو جديد، والبحث عن الإثارة وفقدان التركيز العميق.
وللتعافي أرشد الكاتب هنا للفطام من سلطة السوشيل ميديا، بالإعتزال المؤقت بين فترة وأخرى، كما أحال لكتاب “مصيدة التشتت” لمزيد من سبر الحلول.
وها هنا أقول، ربما كان سيزيد من قوة الطرح ويساعد على فهم أكثر للإشكالية المطروحة في هذا الفصل، لو رجع بنا الكاتب لدراسة الجذور الفلسفية لتأثير التقنية على الإنسان، ابتداء من العلاقة بين الإنسان والآلة، وكذلك التنظير الحداثي للعلم التجريبي المعاصر منزوع القيمة، الذي يهتم بالتقنية كوسيلة بغض النظر عن الغاية والهدف منها وتوجيهها القيمي المناسب.
الفصل التالي كان بعنوان: ” لا تحكم على الآخرين”، تناول المؤلف إحدى أهم المشاكل -في نظري- الطاغية بين أبناء هذا العصر، وهي سيادة فكرة “اللاحكم”، ألا تحكم على الآخرين مهما بدر منهم! ويرى أن ذالك نتاج التأثر بهوس الثقافة الغالبة بفكرة التسامح وتقبل الآخر وتمييع هوية الفرد، مما يعزز هذا على صعيد آخر من الحساسية المفرطة تجاه النقد والمواجهة بالأخطاء! إن تخلية المجتمعات من الأحكام غير ممكن وذالك كمحاولة النظر للكلمات دون قراءتها! كما أن أزمة هذا السياق تظهر في حالة من المراهقة النفسية وفيها تعود النفس على حالة من عدم المسؤولية تجاه السلوك والأفعال مع عدم القدرة على تحمل النقد وأعباء الحياة. ويؤكد على أنه يدعو إلى حسن أداء النصيحة إبتداء وذلك بإقامة الأحكام الصحيحة المنطلقة من الأخلاق، المستندة على وقائع حقيقية لا أوهام ويتم فيها مراعاة الأسلوب، والتوقيت، والألفاظ، وغيرها من الآداب المعروفة المبثوثة في كتب الفقه وفقه الدعوة.
في الفصل الذي يليه، يصف لنا المؤلف حالة من “عبودية المشاعر” في فصل بعنوان: “مشاعرك أسوأ حكم في حياتك”، حيث يصف شيوع ثقافة تعظم من قدر المشاعر بشكل غير مسبوق، ويتم التلاعب بذلك بشكل مفرط من قبل الإعلام، الذي أجاد تسويقها. إن الإنسان المعاصر وصل لحالة من تفضيل للمشاعر الهائلة والملتهبة- “مشاعر الصدمة”- على المشاعر الهادئة “مشاعر التأمل”؛ مما آل لتردي الإحساس الذاتي ولتوتر العلاقات المعتمدة على الإستقرار والثبات كالزواج.
وفي فصل آخر بعنوان “مخدرات الشغف”، ينتقد المؤلف بشدة الخطابات التحفيزية التي تبيع الوهم و تبني تجارتها على الإجابات والشعارات المريحة على شاكلة: “لا تبحث عن قدراتك بل شغفك!”، في الوقت الذي تنهار فيه هذه الشعارات عند أول عقبة في الواقع، في خطاب مؤجج يغفل القدرات والسياقات الخاصة المحيطة بالأفراد!
ثم يتساءل هنا: “ما قيمة الشغف إذا لم يكن الفرد قادرا على تأمين مستقبل معيشته؟”
ويضيف، بدلاً من ذلك، لماذا لا نهدي الشباب لرسم خطط واقعية تعرفهم بالسوق ومتطلباته مع تكوين مستمر للمهارات والتعلم الدائم مع البحث عن الفرص لا الشغف” ؟
وفي آخر الكتاب، في الفصل الثامن: “مفتاح النجاة: أنا مريض نفسي إذن أنا أفعل ما أريد”، حذر المؤلف من موجة من التساهل مع الإجرام بحجة مراعاة الحالة النفسية لتصبح هنا الحالة النفسية مبرراً لفعل كل شخص ما يريد، فوصلت لمرتبة من القداسة المانعة من المحاسبة، فالشرير هنا هو الضحية لا المجرم ومن ثم ننتهي بخلق حالة من التماهي مع الشر!وينوه إلى أن الشريعة تضع أُطُراً صارمة ومحددة لرفع العقوبة بسبب الإضطراب النفسي، ولا يكون ذالك إلا على يد أهل الإختصاص من أطباء النفس وفقهاء الشريعة، فلا يكفي مجرد إدعاء الجاني، ففي الأصل أن كل إنسان مسؤول عن أفعاله “كُلَّ نَفْسُ بِمَا كَسَبَتْ رَهينَة”.
ختاماً، فالكتاب من وجهة نظري المتواضعة في مجمله جيد جداً، ويحتاج للمزيد من التنقيح والمراجعة واختمار الأفكار، وترتيب الفصول والمكرر، وأن يعضد بتجارب أصحاب الخبرات التربوية والبحوث الأكاديمية الجادة. ومن الملاحظ أن الكاتب قد أسهب في نقل عدة منشورات مطولة من وسائل التواصل والتي كانت أحيانا “لطولها” تتداخل عندي مع النص الأصلي، كما أن الحلول قد طرحت في شكل نقاط عامة مستعجلة – كما نبه المؤلف- ربما كانت تحتاج دراسة وشرح أكثر في جوانب تخصصية فكرية واجتماعية وشرعية، لكن يحسب له بلا ريب أن فتح الباب لمن بعده في هذه المضمار المهم غير المطروق، وكلي أمل أن ينضج أكثر مع مقبل الطبعات القادمة بإذن الله، وجزى الله تعالى عنا المؤلف خير الجزاء ونفع به.