هل يحقق نظام البلوكشين [1]Blockchain قيمة للتمويل الإسلامي؟
الدكتور سامي السويلم، المدير بالإنابة بالمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب،
ترجمة: لينة الطيب عثمان، بكالوريوس بنوك إسلامية وتمويل (كلية الخوارزمي الدولية، أبو ظبي)
"تكنولوجيا Blockchain ستغير كل شيء". تم تقديم هذا الادعاء عدة مرات على مدى السنوات العديدة الماضية في أشكال مختلفة وكثيرة. وما زلنا ننتظر لنرى هذا التغيير. يجادل المتشككون، مثل جيسي فريدريك Jesse Fredrik، بأن تكنولوجيا Blockchain هي حل يبحث عن مشكلة! كما أنه حتى الآن لم تثبت هذه التكنولوجيا نفسها بعد ولم تفي بالوعود الكبيرة التي قدمتها للجمهور. باستثناء عملة بيتكوين المتداولة كثيرا"، يعترض المتشككون بأننا لم نرَ أي تطبيق ملموس لهذه التكنولوجيا حتى الآن.
من المفيد دائماً أن نبقي هامشاً معقولاً من الشك، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتقنيات الجديدة. وليس هذا نهجاً منغلقاً بل على العكس فالتكنولوجيات الجديدة تستغرق وقتاً لتثبت نفسها، وبدون وجود ظروف محفزة لها وبدون إصرار قوي على إنجاحها فقد تفشل وتختفي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي نوعية المشاكل التي يمكن أن تساعد تكنولوجيا Blockchain في حلها فهناك قائمة طويلة من التحديات في مجال التمويل الإسلامي والتي يعرفها جيدا” المهتمون بهذا المجال. تحديات من مثل: كيف يمكننا جعل صيغة المشاركة فعالة؟ كيف يمكن التغلب على المخاطر الأخلاقية والمعنوية؟ كيف يمكن حث المدينين على الدفع في الوقت المحدد؟
بالطبع هناك من هم متشككون في حقيقة التمويل الإسلامي نفسه، ونهجهم المقترح هو ببساطة: اتباع النموذج التقليدي للتمويل مع إضافة لمسات تجميلية محدودة. وباعتبار هذه الرؤية فإنه إذا كانت تكنولوجيا Blockchain هي حل يبحث عن مشكلة بالنسبة لهؤلاء، فإن التمويل الإسلامي الحقيقي الذي يعكس مبادئ الإسلام الأخلاقية قد ينظر إليه على أنه “مشكلة” تبحث عن حل.
إذا حاولنا ببساطة تطبيق تكنولوجيا Blockchain على المنتوجات المالية الإسلامية الشائعة، فإنه على الأرجح سينتهي الأمر بنا إلى إضافة طبقة أخرى من التعقيد إلى الهياكل القائمة. ومن غير الواضح كيف يمكن الاستفادة من هذه الإضافة التي قد تجعل هذه الهياكل ذات تكلفة عاليةوغير عملية، لاسيما إذا تمت هذه الإضافة على هياكل هي في أصلها تتسم بالتعقيد بسبب كثرة السلع وبسبب تعقيد الجانب القانوني. على سبيل المثال، فإن عملية ترميز الصكوك التي تستند إلى هياكل معقدة للغاية ستصبح أكثر تعقيداً. كما أن تطبيق فكرة العقود الذكية smart contractsعلى العقود الاشتقاقية (المشتقات) الإسلامية “Islamic derivatives” – كما أشار التقرير الأخير للبنك الدولي– لن يقلل من التعقيد القانوني لمثل هذه العقود بل قد يزيده.
إن تكنولوجيا Blockchain ليست مجرد أداة بل هي طريقة للتفكير ولتحليل المشاكل والبحث عن حلول. لذا، قبل أن نحاول تطبيق تكنولوجيا Blockchain أو العقود الذكية على منتجاتنا، نحتاج أن نسأل أنفسنا: ما هي القيمة التي تضيفها هذه التكنولوجيا لأصحاب المصلحة؟
التكنولوجيات الحديثة لها تكاليفها ولا يوجد غداء مجاني free lunch كما يقول الاقتصاديون. وفي حين أنه من الجيد أن نكون منفتحين على كل الاحتمالات، فإنه يجب في ذات الوقت أن نكون انتقائيين للغاية خاصة عندما يتعلق الأمر بتطبيق هذه التقنيات على العمليات المالية والتجارية.
للتكنولوجيات الجيدة القدرة على كشف أوجه القصور في الهياكل القائمة. وإذا ما أزيلت أوجه القصور هذه، فإن القيمة الحقيقية الكامنة لمنتوجات هذه الهياكل المالية ستنجلي وسيصبح أثرها محسوساً يمكن قياسه. سيكون هذا أمرًا جيدًا إذا كان للمنتوجات قيمة تفيد المجتمع حقا” ولكن ليس هذا هو الحال دائماً.
في سبتمبر 2019، نشرت صحيفة بوسطن ريفيو مقالًا بعنوان “الديون الدائمة في سافانا السيليكون“، بقلم كيفن ب. دونوفان وإيما بارك Kevin P. Donovan and Emma Park. يقدم المقال تحليلاً متعمقاً للإقراض الرقمي الصغير في كينيا ويشيد بها لكونها رائدة في تبني التقنيات الرقمية في مجالات أنظمة الدفع والأدوات المالية. والجدير بالذكر أن كينيا في أعين الكثير من المراقبين تعتبر المركز التكنولوجي لشرق أفريقيا ويُعتبر القطاع المالي الرقمي فيها متقدماً جداً ويشهد نمواً بمعدلات استثنائية.
لقد تمكنت هذه الصناعة من الوصول إلى شريحة كبيرة من العملاء غير المؤهلين للاستفادة من خدمات التمويل. وباستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة تم تحديد “ضمانات بشأن السمعة” reputational collateral للمقترضين الذين لا يملكون ضمانات مادية، وبالتالي لا يمكنهم الحصول على التمويل من خلال القنوات التقليدية. هذا ما يمكن أن نصفه بأنه حل مبتكر، ولكن ماذا نتج عن هذه الابتكارات؟
للأسف، لم تجعل هذه الابتكارات مجتمعاتنا أفضل حالاً. وبدلاً من ذلك، فقد ورطت المقترضين بإدخالهم في دوامة من الديون المستمرة. فأصبح الناس مدفوعين نحو مسارات تمويل لا تقوم على مبدأ تمكين المقترضين -كما يروج لها-، بل تقوم على أساس جني الأرباح من الديون المستمرة والمتراكمة.
كل هذه التطورات تجبرنا على التساؤل: ما هو دور التكنولوجيا في التمويل؟ هل تسهل حصول المجتمع على التمويل؟ أم أنها تسهل الوصول إلى الأسواق؟ هذان نموذجان مختلفان جداً. في نظام الإقراض القائم على الفائدة، تتيح التكنولوجيا للمقترضين إمكانية الحصول على التمويل، ولكن ليس بالضرورة الوصول إلى الأسواق. ويميل المقرضون المهتمون بتعظيم عائداتهم إلى تفضيل دورات الديون المستمرة التي تجلب تدفقاً ثابتاً ومتزايدا من إيرادات الفوائد غير مهتمين بتمكين المقترضين لأن هذا يعني أنهم سيستطيعون كسر الحلقة المفرغة للديون والتخلص منها.
يهدف التمويل الإسلامي إلى مساعدة المستفيدين على الوصول إلى الأسواق وهذه هي الخطوة الأولى في طريق التمكين. ولا ينبغي أن تجني المؤسسات المالية الإسلامية دخلاً من فخاخ الديون بل ينبغي أن تجنيه من خلال تقاسم الثروة التي ولّدها عملائها في الاقتصاد الحقيقي.
إن التكنولوجيا الحديثة ستساهم في تحقيق أهداف الأنظمة المالية النهائية وجعلها ملموسة وأكثر وضوحاً. وهذا يعني أن علينا أن نعود إلى الأساسيات ونطرح السؤال المهم والضروري: ما هي القيمة الأساسية لنموذجنا المالي المنشود وما هي أهدافه النهائية التي يرمُ إلى تحقيقها؟
عند تبنينا للتقنيات الحديثة يجب علينا دائماً أن نستحضر في أذهاننا النموذج الكلي. إن مبادئ التمويل الإسلامي هي مبادئ أبدية وعالمية تتجاوز الأدوات والتقنيات، ومراعاة هذه المبادئ سوف يجعل تطبيق التكنولوجيا الجديدة موجهاً نحو تحقيق زيادة رفاه المجتمع ورخائه.
رابط المقال الأصلي:
https://blogs.irti.org/does-blockchain-technology-have-value-for-islamic-finance/
[1] هي طريقة جديدة لتنظيم البيانات تكون فيها قاعدة البيانات مشتركة وتُحفظ معلوماتها في أجهزة كمبيوتر متعددة في أماكن مختلفة. تعمل التقنية كسجل رقمي للمعاملات ونظرا” لعدم وجود موقع مركزي فإنه من الصعب اختراق المعلومات الموجودة في ملايين الأجهزة مما يجعل هذا السجل آمن ومقاوم للتلاعب. ظهرت هذه التقنية في عام 1991م ويعد استخدامها في تطوير العملة الرقمية “بيتكوين” أبرز تطبيقاتها.