اجتذب المفكر اليميني المتطرف المثير للجَدَل جماهير تلفزيونية كبيرة بسبب انتقاداته المعادية للإسلام، لكن النقاد يتهمونه بتأجيج العنصرية.
بعد ظهر يوم الاثنين، قتل رجلان كانا يرتادان مسجدا في بايون جنوب غرب فرنسا برصاص رجل حاول إشعال النار في باب المسجد. وكان الضحايا الذين تتراوح اعمارهم بين 74 و78 عاما، من المسلمين. المهاجم، كلود سينسي، 84 عاما، الذي اعترف بإطلاق النار عليهم، هو رجل أبيض ترشح في عام 2015 لتجمع مارين لوبان الوطني في الانتخابات الإقليمية، وكان معروفا في قريته بآرائه المعادية للأجانب والمثليين، وامتلاكه أسلحة.
وأدى الهجوم ، الذي أدانته جميع الأحزاب السياسية – بما في ذلك حزب لوبان ، الذي قال في بيان إن سينسي “نُحي جانبا” في عام 2015 بعد أن أدلى بتصريحات غير لائقة -؛ إلى إثارة القلق في فرنسا بشأن تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا. وحذر اتحاد المساجد الفرنسي من “العواقب الوخيمة لخطابات الكراهية على المسلمين” و “المناخ المثير للقلق الذي يغذيه الخلط والخطاب المعادي للمسلمين”.
وقال محمد موسوي، مدير اتحاد المساجد الفرنسي، إن “من يساهمون في تطبيع الكراهية والعنصرية يتحملون مسؤولية تعريض المواطنين المسلمين لهذا النوع من الاعتداءات الإجرامية”.
وعلى الرغم من أن مهاجم بايون لم يذكر أي تأثيرات مباشرة ، إلا أن وسائل الإعلام الفرنسية سرعان ما لاحظت أنه نشر منشورات على موقع فيسبوك لدعم إريك زمور [1] ، أحد أشد منتقدي الإسلام في البلاد.
كتب سينسي في عام 2014 على “مدونة عشاق إريك زمور” قائلا: “نحن في حرب ضد الإسلاميين”.
زمور ، 61 عامًا ، يميني متطرف ومثير للجدل تربطه صلات وثيقة باليمين المتطرف التقليدي ، وقد كتب عدة كتيبات عن الإسلام والجمهورية الفرنسية وكان معلقًا تلفزيونيًا تحريضيّا منذ عام 2003. وأدين في عام 2011 بـ “التحريض على التمييز العنصري” و في عام 2018 بتهمة “الاستفزاز والكراهية ضد المسلمين”.
في عام 2016 ، تمت إدانته بعد أن أعلن أنه يجب على المسلمين “الاختيار بين فرنسا والإسلام”.
خسر زمور استئنافه ضد إدانة 2018 في سبتمبر/أيلول الماضي. وبعد أقل من شهر، أطلق برنامجا يوميا جديدا على الهواء ، أصبح زمور نفسه فيما بعد نجم البرنامج. وضاعفت الحلقة الأولى، التي تضمنت مواضيع مثل “مكانة الإسلام في الجمهورية الفرنسية” و”الحجاب الإسلامي”، عدد مشاهدي القناة ثلاث مرات. وفي غضون أكثر من أسبوعين بقليل، أذهل زمور الجمهور بزعمه أن المثلية الجنسية “خيار” وبالإشادة بجنرال فرنسي قال إنه “ذبح المسلمين وحتى بعض اليهود” في الجزائر.
أدان زمور الهجوم الإرهابي الذي وقع في بايون، ونفى أن يكون مسؤولا عن إلهام مطلق النار، لكن تأثيره على النقاش الفرنسي العنيف حول الإسلام كان واضحا لبعض الوقت. وفي 28 أيلول/سبتمبر، كان زمور أحد المتحدثين البارزين في “مؤتمر اليمين”[2] ، وهو حدث نظمته ماريون ماريشال [3]، ابنة شقيقة لوبن ونجمة صاعدة بين المحافظين الفرنسيين. كان خطاب زمور ينم عن كره شديد وبشكل عنيف للأجانب
– وأشار إلى “استعمار المهاجرين”، و”أسلمة” الشوارع الفرنسية، وحذر من أن مشاكل البلاد “تفاقمت بسبب الهجرة، التي تفاقمت في حد ذاتها بسبب الإسلام” – لدرجة أن القناة التلفزيونية التي بثت خطابه بالكامل كانت “حذرة بشدة” من قبل منظم وسائل الإعلام الفرنسية ، في حين فتح مكتب المدعي العام في باريس تحقيقا معه بتهمة “الإهانة العامة” و”الاستفزاز العلني للتمييز أو الكراهية أو العنف”.
كما أشاد زمور بنظرية “الاستبدال الكبير” [4] ، التي قدمها المؤلف الفرنسي رينو كامو ، والتي تنص على أن السكان الأوروبيين البيض يتم “استبدالهم” تدريجيًا بالسكان المهاجرين غير البيض وغير الأوروبيين. ويزعم كامو أن إلهامه من إينوك باول [4].
وقد تم الاستشهاد بنظريته العنصرية كدافع في العديد من الهجمات الإرهابية التي استهدفت المسلمين ، بما في ذلك إطلاق النار في كرايستشيرش الذي أسفر عن مقتل 51 شخصًا في نيوزيلندا في مارس، وإطلاق النار في إل باسو الذي أسفر عن مقتل 22 شخصًا في تكساس هذا الصيف. غالبًا ما يستشهد زمور بكامو ويشاركه وجهة نظره التي تنص على”مركزية الهوية” للمجتمع الفرنسي – وتبرز موضوعات مثل تراجع القوة الاستعمارية الفرنسية بشكل كبير في خطاباته. وقد انتقد الكثيرون في فرنسا خطاب زمور. وأعلنت العديد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني أنها لن تظهر في أي برنامج على قناة CNewsالتي تبث له.
وقد دعا حزب الخضر إلى فرض عقوبات وإنهاء برنامج زمور اليومي، بينما ذكر موظفو سي نيوز أن “الأمن والأخلاق والصورة العامة للقناة” جميعها أسباب تدعو إلى إقالته.
في سبتمبر/أيلول، نشر المؤرخ الفرنسي جيرار نويريل كتاب ” The Venom in the Wound“، وهو كتاب يقارن خطاب زمور بخطاب إدوارد درومونت، أحد أبرز المؤيدين الفرنسيين لمعاداة السامية في القرن التاسع عشر. وقال نويريل ل “ليبراسيون” إن “لغة زمور هي تحريض ضمني على الحرب الأهلية”، موضحا أنه في كلتا الحالتين، مكنت “ثورة الاتصالات” – المطبعة في زمن درومونت والإنترنت في زمن زمور – الجدليين من الوصول إلى جماهير جديدة. كما كتب نويريل في صحيفة لوموند في وقت سابق من هذا الشهر قائلا: “إن إعطاء زمور منصة يومية على قناة إخبارية مباشرة لكسب عدد قليل من نقاط تقييم الجمهور هو لعب بالنار. وإذا ارتكب متعصب لـ “الإستبدال الكبير” مجزرة مثل تلك التي حدثت في الولايات المتحدة قبل بضعة أشهر، فإن هذه القنوات التلفزيونية ستتحمل مسؤولية جسيمة”.
في اليوم التالي لإطلاق النار في بايون، أعلنت CNews أن برنامج زمور لن يبث على الهواء مباشرة. وقد ادعى زمور أن البرنامج كان موضوعا للمزايدة بين القنوات قبل بثه، وبما أن تقييمات جمهوره لا
تزال مرتفعة، فمن غير المرجح أن يتم إلغاؤه. ويثير نجاحه تساؤلات، ليس فقط بالنسبة لوسائل الإعلام الفرنسية، ولكن بالنسبة لفرنسا كمجتمع – وإلى أين تتجه.
الهوامش:
1- كاتب صحفي وسياسي يميني راديكالي، من أشد منتقدي الإسلام والهجرة في فرنسا، عرف بتصريحاته العنصرية والمعادية للإسلام وللمهاجرين. أعلن مؤخرا عن ترشحه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، وأطلق حزبه بصورة رسمية وسماه “الاسترداد” .Reconquête
2-عقد في باريس، 28 سبتمبر 2019 تحدث فيه زمور عن الإجراءات التي سيتخذها في حالة وصوله إلى منصب رئيس الجمهورية، وكان من أبرزها حظر اسم محمد على الفرنسيين. كما أكد أنه سيعيد العمل بقانون 1803 (القانون المدني للجمهورية الفرنسية قبل تعديله) والذي يحظر على أي فرنسي تسمية إبنه محمد.
3- سياسية فرنسية، وعضو بحزب “التجمّع الوطني” الذي يمثل اليمين المتطرف و حفيدة جان ماري لوبن، مؤسس الحزب وابنة شقيقة مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا.
4- تقوم نظرية “الاستبدال الكبير” أو “الاستبدال العظيم” على أن السكان الأوروبيين البيض فى المجتمعات الغربية يتم “استبدالهم” تدريجيًا بسكان مهاجرين غرباء غير أوروبيين وغير مسيحيين وغير بيض. وهي نظرية شائعة بين حركات اليمين المتطرف.
رابط المقال الأصلي:
https://www.newstatesman.com/world/2019/10/how-right-wing-thinker-eric-zemmour-fuelling-france-s-identity-wars