إن التعريف “الشائع” للدولة التنموية بوصفها تلك الدولة التي تشكل القطاعات الانتاجيّة دوراً رئيسياً في تدوير عجلة الاقتصاد وخلق الوظائف هو تعريف يختزل باقي الأعمدة الجوهرية في الرؤية الشاملة لمفهوم «الدولة التنمويّة»، حيث إنني أرى بأن التصور الصحيح والشامل لأي رؤية تنموية يتضح بسؤالنا لأربعة أسئلة جوهرية: ما هو تصور التنمية الاقتصادية والاجتماعية المراد تحقيقها؟
(الرؤية الاستراتيجية-الأيديولوجية)، وثم التساؤل حول ماهية المحرك المسؤول عن تنفيذ هذه التنمية؟ (البنية الإدارية)، ثم التساؤل عن كيفية تمويل هذه التنمية؟ (البنيّة المالية)، وأخيراً كيفية توزيع ثمار هذه التنمية على شرائح المجتمع؟ (البنية التوزيعية).
هذه العوامل/الأسئلة الأربعة مع بعضها هي ما يمكن أن يقود إلى تكوين «دولة تنموية» مستقلة ومستدامة وفاعلة، وأي قصور في أحد هذه العوامل سينعكس مباشرة في فاعلية ودرجة نجاح الدولة التنموية المراد بناءها.
في هذه الدراسة القصيرة سأركز على الركن الثالث من أركان الدولة التنموية والمتعلق بالبنيّة المالية والتمويلية للدولة التنموية وسأناقش بصورة تفصيلية دور البنوك التنموية الوطنية في التحول الهيكليّ من خلال منهجية التحليل المقارن وسأستخرج الدروس المستفادة التي يمكن للحكومة الانتقالية في السودان الإفادة منها. في الفصل الأول تناقش الدراسة أهمية حشد الموارد المحلية في تمويل التنمية والتحول الهيكلي والصناعي، وكيف أن التجارب التاريخية تخبرنا بأن تمويل هذا التحول لا يتحقق في الغالب بالاعتماد على الاستثمارات الأجنبية ولا بالمساعدات والهبات، وإنما يعتمد في الأساس على زيادة المدخرات الاستثمارية من القطاع العام والقطاع الخاص الوطني. الفصل الثاني من الدراسة يقدم تعريفاً مختصراً بالبنوك التنموية الوطنية ومن يملكها ويديرها في العادة، كما يستعرض الفصل القدرات المالية ووصف المنتجات المالية والقروض التي تقدمها هذه البنوك مقارنة بالبنوك التجارية التقليدية، ويستعرض الفصل كذلك طبيعة الموارد البشرية التي تحتاج إليها هذه البنوك مع إعطاء أمثلة واحصاءات من عدة نماذج حول العالم لكل هذه النقاط التي يستكشفها الفصل. الفصل الثالث من الدراسة يستعرض بمزيد من التفصيل لتجربة بنكين من ضمن البنوك التنموية الوطنية وهما « البنك الوطنيّ للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في البرازيل» و»البنك التنموي الأثيوبي» وكيف ساهم هاذان البنكان في التحول الهيكلي/الصناعي في البرازيل وأثيوبيا، على التوالي. في الفصل الأخير من الدراسة تجادل الدراسة بأن الظروف الحالية والمؤسسية في السودان غير مناسبة لبناء بنك تنموي وطني كما هو متعارف عليه في أدبيات ودراسات التنمية، ولكن يمكن للمهتمين بالتحول الهيكلي/الصناعي في السودان العمل على مسارين مكملين لبعضهما أولهما مراجعة الأهداف المؤسسية والممارسة الفعلية للعدد من البنوك القطاعية المملوكة في غالبها للدولة (سواء عبر بنك السودان المركزي أو عبر صندوق الضمان الاجتماعي، أو غيرهما) مثل البنوك المتخصصة في الزراعة أو الصناعة أو التنمية الاجتماعية، وثانيهما البدء بتأسيس بنك تنمويّ للشركات الصغيرة والمتوسطة في القطاع الزراعي والصناعي والتحول الرقمي كخطوة أولية، وفي حالة نجاح هذه التجربة النموذجية يمكن البدء في التخطيط لتأسيس بنك تنمويّ لتمويل المشاريع الصناعية الضخمة التي يمكن أن تقودها الدولة بعد وضع الخطة/الاستراتيجية الوطنية لهذه التنمية مع نهاية الفترة الانتقالية.
للاطلاع على الورقة كاملة الرجاء تحميل الملف