بينما يتجه رئيس الوزراء آبي أحمد إلى الحرب ضد حكام إثيوبيا السابقين -جبهة تحرير شعب التيغراي- ستحدد تحركات الخرطوم ما إذا كان الصراع سيستمر شأنًا محليًا أم ]سيصبح[ حريقًا إقليميًا.
كُتِب بواسطة: نزار مانك ومحمد خير عمر.
أديس أبابا ، إثيوبيا – بينما كان العالم يستعد للانتخابات الأمريكية في أوائل نوفمبر، شن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد حربًا ضد الجزء الشمالي من التيغراي. الإقليم الذي هو موطن الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي -الحزب الذي هيمن على السياسة الإثيوبية لعقود من الزمان، ومنذ ذلك الحين
تم تهجيره وتهميشه حيث سعى آبي لتوطيد سلطته وإقامة السلام مع العدو اللدود لجبهة تحرير
التيغراي، أي إريتريا.
لكن الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي لم تتجاوز الأمر بهدوء؛ ففي سبتمبر، أجرت الحكومة الإقليمية التي تقودها الجبهة انتخابات محلية رفضت الحكومة المركزية الاعتراف بها في أكتوبر. ثم في 3 نوفمبر، وبعد استفزازات من قبل آبي، سيطرت الجبهة على الأفراد والعتاد العسكرية والمعدات من القيادة الشمالية للجيش الفيدرالي، مما دفع أديس أبابا إلى إعلان الحرب ضد منطقة لا تزال موطنًا لجزء كبير من ترسانة وقوات الجيش الفدرالي الإثيوبي، نظرًا إلى موقعه على طول الحدود المتنازع
عليها منذ فترة طويلة والتي لا تزال غير محددة مع إريتريا.
طالما اتهم أبي الحرس القديم في جبهة تحرير التيغراي بالسعي لتخريب حكومته وإصلاحاته المزعومة. لكن الآن، وفي مواجهة حرب شاملة ضد عدو صعب، ستعتمد نتيجة ]الحرب[ على خيارات جيران إثيوبيا- أي السودان وإريتريا.
على الرغم من أن ]إقليم[ التيغراي صغير، فهو مسلح بصورة جيدة، وقواته مدربة على القتال. القوات الخاصة الإقليمية للتيغراي، والتي يقدر دبلوماسي إثيوبي رفيع المستوى أنها نمت إلى
ما لا يقل عن 20 ألف من المقاتلين commando – يقودها كبار ضباط التيغراي الذين أجبرهم آبي على التقاعد، بالإضافة إلى جسم قائم من القوات الخاصة الاحتياطية المكونة من مليشيات مدربة عسكريًا ومزارعين مسلحين -معًا يمثلون مجموع ما يقدر بنحو 250 ألف مقاتل مسلح. حتى وقت قريب ، كانت تفتقر إلى الأسلحة الثقيلة اللازمة ]لخوض[ مواجهة مباشرة مع فرقة كاملة التجهيز.
منذ الأسبوع الماضي، سيطرت جبهة تحرير التيغراي على نصف الجنود من الفرق الخمسة التابعة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية ENDF التابعة للقيادة الشمالية التي لا تزال في ]إقليم[ التيغراي -مما يعني أنها حصلت على 15 ألف جندي وفقًا لثلاثة مصادر: دبلوماسي إثيوبي رفيع مطلع على
آخر التطورات، ضابط استخبارات متقاعد رفيع في التيغراي مستمر في العمل مع جبهة تحرير
التيغراي، ومصدر في التيغراي يراقب الوضع. لكن الاستيلاء على المعدات والعتاد العسكري
الإثيوبي زاد من أهمية الإمدادات اللوجستية للجبهة الشعبية لتحرير التيغراي، والتي
ستعتمد حتما على موقف السودان.
لدى السودان عدد من الأسباب الاستراتيجية لدعم -أو على الأقل أن يُنظر إليها على أنها تدعم- الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي في الحرب الأهلية ضد حكومة إثيوبيا.
بينما أغلق السودان رسميًا الحدود بين ]إقليم[ التيغراي والولايات الحدودية
كسلا والقضارف –وهي القنوات اللوجستية الوحيدة التي تربط إقليم التيغراي بالعالم الخارجي
من حيث الوقود والذخيرة والغذاء- فمن الممكن التهديد بدعم الجبهة الشعبية لتحرير
التيغراي لانتزاع امتيازات من أديس أبابا بشأن مثلث الفشقة المتنازع عليه.
الفشقة هي منطقة مساحتها حوالي 100 ميل مربع من الأراضي الزراعية الممتازة على طول حدودها مع ولاية أمهرة الإثيوبية، والتي يطالب بها السودان بموجب اتفاقية تم توقيعها في عام 1902 بين المملكة المتحدة وإثيوبيا في عهد الإمبراطور منليك الثاني وأكد عليها بعد ذلك مختلف القادة الإثيوبيين، بما في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي.
لا يزال الخلاف حول الفشقة يمثل شكوى كبيرة لمزارعي الأمهرة الإثيوبيين القريبين من الحدود، والذين يسعون إلى حراثة الأرض، وأيضًا يشكل ]هذا الخلاف[ عقبة في المفاوضات حول سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD). مثل مصر، رفض السودان اقتراح إثيوبيا بشأن المبادئ التوجيهية التي من شأنها تكريس قدرة إثيوبيا المستقبلية على إدارة التدفق السنوي للنيل الأزرق حسب تقديراتها، وتستخدم الخرطوم بالفعل هذه القضية كرافعة للضغط على آبي بشأن الفشقة، حيث تستمر إثيوبيا والسودان في الحفاظ على الوجود العسكري فيها.
ولكن إذا اختار السودان أن يدعم التيغراي، والتي تقع أيضًا على حدود إريتريا، فإن الحرب الأهلية ستصبح بالتأكيد قضية ممتدة، وقد تكون التداعيات الاستراتيجية في علاقات الخرطوم مع أديس أبابا وأسمرا مكلِّفَة جدًا. في الواقع، يمكن للمنطقة أن تعود بسرعة إلى حالة الصراع بالوكالة التي سبقت صعود آبي وانهيار نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير- أو التعجيل باندلاع حريق إقليمي أوسع.
منذ الأسبوع الماضي، شهد السودان بالفعل فرار آلاف الأشخاص من إثيوبيا ،بما في ذلك ضباط من قوات الدفاع الوطني الإثيوبية وفقًا لمصدر تحدث مع رئيس الوزراء المدني السوداني عبد الله حمدوك حول هذه المسألة. وبينما تحالف البشير مع النظام الإثيوبي السابق والذي كان بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي، أصبح نفوذ جبهة التحرير الشعبية في الخرطوم محدودًا منذ سقوط البشير من السلطة، ولأنها لم تعد تسيطر على الدولة الإثيوبية.
وضع السودان هش بما فيه الكفاية، وتريد ]حكومته[ ضمان أن يكون لديه على الأقل
الحد الأدنى من العلاقات مع جيرانه. للوقت الحالي ، ركزت تعليمات الخرطوم على عدم تنفير alienating أديس أبابا أو أسمرة -وهي رسالة تسللت trickled down عبر القوات المسلحة السودانية، التي انتشرت على حدودها مع إثيوبيا ،على حد قول ضابط عسكري سوداني رفيع.
السودان ليس البلد المجاور الوحيد الذي لديه اهتمام كبير بنتائج الحرب الأهلية. سافر مبعوثو الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى الخرطوم في 11 نوفمبر لمقابلة رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان -على الأرجح لمطالبة الجيش السوداني، الذي يتمتع بالسلطة الحقيقية، بقطع أي دعم لوجستي محتمل للجبهة الشعبية لتحرير التيغراي.
منذ البداية، كان من الواضح أن آبي كان ينوي الاستفزاز، لكنه لم يتوقع أن تُزِيح الجبهة
الشعبية لتحرير التيغراي قيادةً عسكريةً كاملة. في أواخر أكتوبر قبل أسبوع من سيطرة
الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي على ما تبقى من القيادة الشمالية في ]إقليم[ التيغراي، أنشأ آبي قيادة إقليمية جديدة في ولاية أمهرة الإثيوبية، حيث من المقرر نقل فرقتين من القيادة الشمالية -والتي تم مركزتها بالفعل في أمهرة- إلى صفوفها.
تتألف القيادة الشمالية من ثمانية من الاثنين وثلاثين فرقة التابعة لقوات الدفاع الوطني. تمركز ثلاثة منهم خارج إقليم التيغراي لمدة عامين منذ أن وسع آبي منطقة عمليات القيادة الشمالية: فرقة دبابات في شمال ولاية عفار الإثيوبية وفرقتان في أمهرة. المناورات العسكرية ضد التيغراي تجري الآن على ثلاث جبهات: من إريتريا وعفار وأمهرة ، مع استخدام إريتريا وأمهرة في محاولة لعزل الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي عن السودان.
في الأول من نوفمبر، وبعد أيام قليلة من إنشاء آبي القيادة الجديدة، سافر البرهان لرؤيته في أديس أبابا مع المدير العام لجهاز المخابرات السوداني ورئيس المخابرات العسكرية. وأُعلِن أنهم سيعززون السيطرة على الحدود الإثيوبية-السودانية، مما يشير إلى أن آبي كان يحاول تطويق التيغراي بالكامل قبل مواجهة مُبَيَّت النية عليها مع جبهة تحرير التيغراي.
كُلٌّ من آبي ]أحمد[ وأسياس ]أفورقي[ -واللذين خاضا حربًا مع قادة الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي قبل عقدين من الزمن، مما أدى إلى صراع دموي بين إثيوبيا وإريتريا استمر، على نحو متقطع، لمدة 20 عامًا- لديهما شهوة للحرب bloodlust مع الجبهة. كان هذا العداء المشترك تجاه النظام الإثيوبي السابق –وليس أي حب أخوي- هو الدافع الرئيسي لإعادة العلاقات الدبلوماسية قبل سنتين، والتي تم تكريم آبي بسببها –على أساس حكم ضعيف- بجائزة نوبل للسلام العام الماضي؛ فشلت لجنة نوبل النرويجية في إدراك أن الجائزة تكافئ عملية سلام كانت تهدف حقًا إلى إنهاء حرب بينما تضع الأساس لحرب أخرى، كما يحدث اليوم.
وفقًا لمصادر وسط كل من التيغراي والحكومة الإثيوبية، فقد انقسم الجنود في فرق القيادة الشمالية لقوات الدفاع الوطني في التيغراي في الأسبوع الماضي إلى ثلاث مجموعات: نصفها متحالف مع جبهة تحرير التيغراي، والربع -الموالون لآبي ومعظمهم ضباط من عرقية الأمهرة- فروا إلى إريتريا، ورفض الباقون القتال ضد الجيش الفيدرالي وتم احتواؤهم في الثكنات العسكرية. تمكنت المصادر في التيغراي من التحدث إلينا بشكل متقطع عبر إنترنت الأقمار الصناعية، متجاوزة إغلاق الاتصالات الذي فرضه آبي هناك.
بينما حققت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي نجاحًا باهرًا الأسبوع الماضي في السيطرة على الأفراد والعتاد العسكري والمعدات التي تحتفظ بها فرق القيادة الشمالية التابعة لقوات الدفاع الوطني، فإن استمرار النجاح في حرب أهلية طويلة الأمد سيعتمد في النهاية على الدعم المقدم من السودان.
للسودان تاريخ طويل من التدخل في الشؤون الإثيوبية والإريترية. حتى قبل وصول الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي وأسياس إلى السلطة في التسعينيات، دَعَمَ السودان سِراً كلاً من الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي وجبهة التحرير الإريترية عبر السماح بمرور الخدمات اللوجستية العسكرية والإنسانية عبر حدوده. (انفصل أسياس لاحقًا عن جبهة التحرير الإريترية، التي شكلت منذ ذلك الحين سلسلة من المجموعات المنشقة). في ذلك الوقت ، كان تدخل السودان ضروريًّا لنجاحهم، ولكن سيكون من الصعب على السودان اللجوء إلى نفس التكتيكات مرة أخرى.
إذا فعلت الخرطوم ذلك، فإن لديها الكثير لتخسره. يمكن أن ينتقم آبي من خلال دعم الجماعات المتمردة السودانية على أعقاب اتفاقات السلام غير المستقرة التي وقعتها مع الحكومة الانتقالية السودانية في أكتوبر -على سبيل المثال، في ولاية النيل الأزرق في السودان، المتاخمة لولاية بني شنقول-جوموز في إثيوبيا، موقع سد النهضة. أيضًا يمكن أن يدعم أسياس مجموعات فرعية من البجا –مجموعة من القبائل التي تعيش بين البحر الأحمر والنيل- في تحالف تكتيكي معه ضد عرقية البني عامر]المتواجدة[ في شرق السودان وإريتريا والمتحالفة تقليديًا مع جبهة التحرير الإريترية، وكذلك السعي إلى تجنيد شخصيات المعارضة السودانية الساخطين الذين كانوا مقيمين سابقًا في إريتريا من منتصف التسعينيات إلى عام 2006. منذ سقوط البشير، اندلعت التوترات في شرق السودان –ما يتضمن كسلا والقضارف وبورتسودان- بين الجماعات المتحالفة مع الحكومة الإريترية والمجموعات المعارضة لها.
في غضون ذلك فإن إريتريا بدأت في التدخل ]في إثيوبيا[؛ فهي تستضيف قوات الدفاع الوطني الإثيوبية على أراضيها رغم أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت القوات الإريترية تشارك في القتال
]أم لا[. على قناة التيغراي التلفزيونية الحكومية، قال الرئيس الإقليمي للتيغراي ديبريتسيون جبريميشال إن القوات المتحالفة مع أسياس قصفت حميرة -وهي بلدة استراتيجية للتيغراي على الحدود الثلاثية بين إثيوبيا وإريتريا والسودان- في التاسع من نوفمبر بالمدفعية الثقيلة، وأن القوات الإريترية وقوات التيغراي تتقاتل على الحدود، وأن تحركات قوات الدفاع الوطني الإثيوبية –خلافًا لهذا- تم تقييدها. وبينما ادعت حكومة آبي في وقت سابق أنها استولت على الأراضي من حميرة إلى شاير، على بعد حوالي
160 ميلاً شرق ]إقليم[ التيغراي ، تراجعت سريعًا عن هذا الادعاء.
على الرغم من النجاحات الأولية، قد لا تحصل الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي على دعم السودان للاستمرار، خاصة إذا كان آبي وإسياس يستطيعان تقديم تنازلات لضمان الحصول على دعم السودان. على الرغم من أن الجميع من لدن حمدوك في السودان والاتحاد الأفريقي إلى البابا فرنسيس ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي يطالبون بوقف إطلاق النار والمفاوضات، فإن آبي سيدعو لإجراء محادثات فقط إذا استمرت قوات الدفاع الوطني وقوات الأمن الأخرى في الانقسام وصولًا إلى نقطة اللاعودة والفشل في ساحة المعركة. بدون السودان، يبدو أن الأمل الوحيد المتبقي
للجبهة الشعبية لتحرير التيغراي هو الإطاحة بحكومة آبي أو السعي لاغتياله بمساعدة العديد
من أعدائه الآخرين.
لا يزال كلٌّ من السودان ومصر على خلاف مع إثيوبيا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى تغيير الحصص المخصصة مسبقًا لموارد المياه ]لصالح[ مصر والسودان. في الوقت الحالي، يواصل السودان استغلال نفوذه في نزاع التيغراي ومفاوضات السد لضمان ترسيم رسمي للحدود لمثلث الفشقة من آبي -وهو نقل رسمي لمساحة كبيرة من الأراضي إلى السودان. منذ اندلاع الحرب الأهلية، أعلن مجلس السيادة الانتقالي في
السودان أنه لن يساوم “على أي شبر من الأراضي السودانية” مع إثيوبيا ، بحسب وكالة السودان للأنباء.
يمكن للسودان دائمًا استخدام عمليات إغلاق الحدود الرسمية كغطاء لدعم الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي وحرمان الجيش الأثيوبي والقوات الموالية لآبي من مهاجمة جبهة التيغراي انطلاقاً من الأراضي السودانية. إن ولايتي كسلا والقضارف غارقتان في عمليات تهريب الأسلحة، والتي يمكن للجيش السوداني إيقافها بالكامل -ولكن فقط إذا اختار القيام بذلك. إذا منحت إثيوبيا السودان الامتيازات التي يريدها المتعلقة بتقاسم مياه النيل وإعادة مثلث الفشقة، فقد تقلب الخرطوم كفة
الميزان.
أخبرنا مسؤولون مطلعون على محادثات خاصة بين آبي ومسؤولين سودانيين في وقت سابق من هذا العام أن السودان سعى خلال محادثات سد النهضة إلى بحث تنفيذ معاهدة ترسيم الحدود لعام 1902؛ وبموجب هذا الاتفاق يواصل السودان سعيه للسيطرة الكاملة على الفشقة. أخبرتنا هذه المصادر أن المسؤولين السودانيين انزعجوا من نهج آبي الجبان بشأن هذه القضية وما تلاه من تبادل لإطلاق النار بين الجنود الإثيوبيين والسودانيين على حدودهم بعد احتجاجات سودانية على قيام مزارعين مسلحين من الأمهرة بالمزيد من التوغلات.
إذا جعل السودان النقل الرسمي للفشقة شرطًا صريحًا لرفض الدعم اللوجستي للجبهة الشعبية لتحرير التيغراي، فقد يكون ذلك قاتلا لآبي، لكنه سيكون خطوة محفوفة بالمخاطر؛ جعلت العديد من التغييرات في النظام خلال القرن الماضي في كلا البلدين من الفشقة قضية مؤجلة الأولوية back-burner وتسامح البشير مع وضعها الذي لم يتم حله بفضل العلاقات الجيدة مع الحكومة السابقة إثيوبيا التي قادتها الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي.
إذا قام آبي بالتنازل ]عن الفشقة[، فسيخسر الدعم الواسع الذي يتصور امتلاكه بين عرقية الأمهرة. تشبه ]قضية الفشقة[ إلى حد كبير ما يسمى بأراضي الأجداد التي أزيلت من الأمهرة وتم إعطاؤها بواسطة جبهة التيغراي للتيغراي نفسهم في التسعينيات، فإن الفشقة قضية سيضحي الأمهرة بحياتهم من أجلها. وإذا رفض آبي ]التنازل عنها[ ، يمكن للسودان الرد من خلال دعم الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي.
منذ الأسبوع الماضي، لقي العشرات من القوات غير النظامية سيئة التجهيز من الأمهرة حتفهم في القتال على طول الحدود بين الأمهرة والتيغراي في محاولة استعادة أراضي الأجداد هذه، وفقًا لما ذكره دبلوماسي إثيوبي رفيع. وقال إن مثل هذه الإخفاقات غير المعلنة أدت إلى إجراء تعديل وزاري شمل الرئيس الإقليمي للأمهرة (أحد الموالين لأبي وهو الآن المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني)
ويمكن أن تعمق ]هذه الإخفاقات[ الاستياء هنالك، مما يؤدي إلى تمرد آخر للأمهرة لتنصيب قادة إقليميين متشددين والذي يمكن أن يكون أكثر خطورة من الاضطراب الداخلي الذي حدث العام الماضي.
ويظهر من التعديل الأخير الذي أجراه أبي في مؤسسته العسكرية والاستخباراتية والأمنية والسياسة الخارجية أنه يعتمد بشكل متزايد على شبكة صغيرة من الموالين ظاهريًّا من الأمهرة- ويمكنهم في النهاية الانقلاب عليه والاستيلاء على السلطة لأنفسهم إذا لم يستمر في خدمة مصالحهم ضد الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي ومخططاتهم لإعادة هيكلة الدولة الإثيوبية على صورتهم.
إذا كانت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي قادرة على إبعاد الأفرادالمواطنين personal عن حرب هي بالفعل تقاتل فيها على ثلاث جبهات -أمهرة وعفار وإريتريا- واستطاعت غزو إريتريا وتغيير النظام هناك، فقد يمنحها ذلك إمكانية الوصول إلى مناطق إضافية بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية من خلال البحر الاحمر. يستضيف التيغراي بالفعل عدة مجموعات معارضة إريترية بالإضافة إلى
قواعد عسكرية صغيرة لهم، ولكنها مهمة صعبة.
ستواجه الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي تحدي هزيمة كل من قوات الدفاع الإريترية وقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية في إريتريا، التي تستضيف قاعدة بحرية وجوية للإمارات العربية المتحدة، والتي أقام معها آبي علاقات وثيقة. في السادس من نوفمبر أشار وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى “تضامن” الإمارات مع “الدول الصديقة في حربها ضد الإرهاب”- ما يشير إلى التحالف مع آبي وأسياس ضد الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي. يمكن لأبو ظبي استخدام نفوذها الكبير مع البرهان وشخصيات رئيسية أخرى في الحكومة غير المستقرة للسودان لتحقيق أهدافها.
في السودان، أخبرنا ضابط رفيع متقاعد كان عضوًا في جبهة التحرير الإريترية أن أسياس يقوم بتجنيد مجندين عسكريين إضافيين منذ أكتوبر في أجزاء مختلفة من إريتريا. قال إن بعض الجنود الإريتريين -بشكل أساسي من البني عامر والقبائل ذات الصلة- رفضوا القتال وانشقوا ذهابًا إلى ولاية كسلا في السودان. قد يشير هذا إلى عدم استعداد على الأقل بعض الجماعات في قوات الدفاع الإريترية للقتال. البني عامر في كسلا -والمتواجدون أيضًا في إريتريا- تتم تعبئتهم للقتال ضد نظام أسياس.
ينظرُ كُلّ من الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي وأسياس إلى كسلا باعتبارها ساحتهما الخلفية الاستراتيجية. أقامت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي علاقات مع الجماعات المناهضة لأسياس بين البني عامر في كسلا بعد الحرب الإريترية الإثيوبية 1998م-2000م ، ويعلم أسياس أن أي تحد للسيطرة على غرب إريتريا يمكن أن يأتي من البني عامر المتحالفين مع جبهة التحرير الإثيوبية.
لكن الإطاحة بأسياس في إريتريا يمكن أن تحدث واقعيًّا فقط إذا قدم الجيش السوداني الدعم لجماعات المعارضة الإريترية في السودان، وفقط إذا تقدمت الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي في نفس الوقت إلى إريتريا -وأيضًا بدعم سوداني ضمني.
على الرغم من أن الحاكم السابق في كسلا كان من البني عامر المتحالفين بشكل وثيق مع الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي إضافة لجيش نظام البشير، فربما يكون أسياس قد قلب التوازن بالفعل ضد الجبهة هناك. بعد أن أزاح السودان حكامًا عسكريين كجزء من إصلاحات النظام الجديد، تم اقتراح فرد آخر من البني عامر “صالح عمار” كحاكم، لكن تم التخلي عن تعيينه بعد الاحتجاجات التي قادتها قبائل فرعية من البجا مرتبطة بأسياس.
وخلال ذلك، في إثيوبيا، يتم نزع سلاح ضباط التيغراي ويتم استهداف أفراد التيغراي عبر الهياكل الحكومية؛ في الشرطة الفيدرالية -كما أخبرنا ضباط في الخدمة- طُلب من التيغراي أخذ إجازة؛ وحتى في بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال والتي تقاتل حركة الشباب، قال اثنان من كبار الضباط إن أكثر من 200 ضابط من التيغراي تمت مصادرة أسلحتهم.
مع اشتداد الحرب، يبدو أن آبي يقرأ من نفس الدفتر الذي كان يقرأ منه أسلافه في الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي، حتى وهو يسعى إلى عزلهم -تنظيم مسيرات دعم للحرب برعاية الدولة، وسجن الصحفيين، ووصف عدد لا يحصى من المعارضين الذين يهاجمون نفاقه بالإرهابيين.
ما هو على المحك في الحرب الأهلية في إثيوبيا أكثر من مجرد انتفاضة التيغراي. ففي أسوأ الأحوال، قد ينضم ضباط في جميع الجيش الإثيوبي القائم على أساس عرقي إلى تمرد فوضوي، وسيجد الجيش نفسه متورطًا بشكل متزايد في شبكة كارثية بالفعل من القتال بين العرقيات عبر إثيوبيا وعلى حدودها -وهي كارثة إقليمية ستلحق بكل من إريتريا والسودان، و ربما المزيد من الفاعلين.
الحرب جارية بالفعل على الجبهة الإريترية، مع ظهور قادة عسكريين إثيوبيين على الحدود بين التيغراي وإريتريا. وإذا فشل الجيش الإثيوبي في خنق الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي من القطعة صغيرة من الأرض الموجودة بين التيغراي والسودان -يزعم رئيس أركان آبي أنها تسيطر عليها، لكن مصادر رفيعة تقول أن المعركة هناك ما زالت غير محسومة- فإن السودان سيحدد نتيجة الحرب الأهلية في إثيوبيا.
نزار مانك: صحفي ومستشار وعمل خلال السنوات الثمانية الماضية في المنطقة من مصر إلى إثيوبيا. وبعد أن أمضى السنوات الأربع الماضية في أديس أبابا، فهو يقيم الآن في لندن. Twitter:
@japanizar
محمد خير عمر: عضو سابق في جبهة التحرير الإريترية وخدم كعميد لكلية العلوم الزراعية والمائية بجامعة أسمرة. عمل سابقًا لصالح مفوض السودان لشؤون اللاجئين من 1982م إلى 1991م. Twitter: @mkheirom
رابط المقال الأصلي: