عندما يكون وصف “ربّة منزل” وصمةَ عار (-)
كاترين بينهولد (–)
ترجمة: الحارث عبد الله (—)
حاول الصحفيّ السويديّ بيتر ليتمارك أن يتتبع ربَّةَ مَنزلٍ مؤخَّراً؛ لاستضافتها في سلسلة صحفية لعرضها في مجلة “Dagens Nyheter” ، وحينما فشل شرح ذلك بقوله: “ربَّات المنازل على مشارف أن يكنَّ من الكائنات المهددة بالانقراض في السويد، والقِلّة التي ظللن موجوداتٍ لا يجرؤن حقيقةً أن يُعلِنّ أنهنّ كذلك”. وفي جارتنا النرويج، غيّر “اتحاد ربَّات المنازل” اسمه إلى “اتحاد المرأة والعائلة” حيثُ تقلصت عضويته إلى 5000 بعد أن كانت 60000. “فالإحالة إلى (كلمة) “ربة منزل” أصبح أمراً محرِجاً جدّاً” كما ذكرت الاقتصادية النسوية تشارلوت كورن الباحثة في المعهد النرويجيّ للبحث الاجتماعيّ، عضو سابق في الجمعية وأم لطفلين. فحيثُ أصبحَ مِن غير المقبول مجتمعيّاً أن تكون المرأة “ربّة منزل” –أو “معدة منزل”(—-) بالتعبير الأمريكيّ، فهل تخطَّت النسوية أهدافها؟
في عام 1950م كان من المتوقع من المرأة أن تظلّ في منزلها، وأولئك اللواتي أردنَ أن يعملنّ كان يتمّ وصمهنّ. أما اليوم فهو على العكس تماماً، حيث تتنافس المرأة ضد المرأة حول الصراعات الخاطئة من قناعات وطبقات اجتماعية واحتياجات، وكثيراً العرقيات.
يُنظَر للنساء، عبر العالم المتقدم، اللواتي يبقينَ في البيوت على أنهنّ قديمات الطراز وعبء اقتصاديّ على المجتمع. فإذا كان أزواجهنّ أغنياء يتمّ توبيخهنّ بشكل متكرر على “كسلهن”، وإذا كانوا مهاجرين فيتم توبيخهنّ على حبس أطفالهنّ عن تعلّم لغة وحياة الدولة المضيفة.
الأعمال المنزلية اليومية من التنظيف والطبخ وتربية الأبناء دائِماً ما يتم تجاهلها في الحسابات القومية. (إذا تزوُّج رجلٌ مدبرة المنزل التي تعمل معه، وتوقَّفّ عن الدفع لها مقابل ذلك، فالناتج القومي الإجمالي يقلّ، وإذا توقفتْ المرأة عن الإرضاع وقامت بشراء حليب أطفال لأبنائها فالناتج القومي الإجمالي يرتفع). في نقاشٍ يهتم بدراسة النساء اللواتي لحقنَ الرجال في التعليم وسوق العمل من زاوية الإنتاجية والنمو الاقتصادي، فالنساء الملازمات لبيوتهنّ يُقَيَّمنَ أقلّ مِن أي وقت مضى. وهذا على الرغم أنه مِن النرويج وحتى الولايات المتحدة يضع الاقتصاديون قيمة عملهنّ غير المدفوع فوق قيمة عملهنّ في القطاع الصناعيّ.
في الدول التي لا تزال الأمهات فيها يعانينَ في الجمع بين الوظيفة والعائلة فيقمن بترك الوظيفة -بدافع الضرورة أكثر من كونه بسبب الاقتناع- في الغالب يتعرّضنَ لمضايقات شديدة. في ألمانيا الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في أوربا، معظم المدارس ما زالت ينتهي يومها الدراسي في وقت الغداء، ولا زالت الحضانات ذات الدوام الكامل نادرة. على الرغم من ذلك ففي هذا الجيل من الأمهات الفتيَّات من الأسهل أن تجد نساء يدعينَ أنهنّ في فترة تمديد للإجازة الأمومية أو أنهنّ يتنقَّلن بين الوظائف مِن أن تجدهنّ يعترفن أنهن ربَّات منازل. وفقط وسط الأغنياء نجدها كحالة عامة حينَ تأخذ الأمّ عالية التعليم أبناءها لدروس لتعلم اللغة الصينية أو عزف الكمان.
“من الصعب أن نجد توازُناً بين أن لا نجمِّل (—–) وأن لا نَصِمَ ربَّات المنازل” كما قالت نانسي فولبر الأستاذة في قسم الاقتصاد في جامعة ماستشوستس، وأكملت: “على الرغم من أنّ عدداً من النساء لا زلنَ يمكثن في بيوتهنّ، نلاحظ أنّ هنالك تحول ثقافيّ جعلهنّ في موضع الدفاع”. وحين نضع في الذهن أنّ النساء الآن يعملنَ لسَبَبَين؛ أحدهما: إرادتهن ذَلِك، وثانيهما: لأنّ معظم الأُسَر تحتاج لِدخلَين، ثم تذكرُ: “هكذا تعملُ المعايير المجتمعية: إذ أنها تفرض ضَغطاً على الأفراد ليستجيبوا لها”.
وفي السويد اختفاء فقد وصلت فئة “ربَّات المنازل” لمستوًى صادم. فالآباء يشاركون في الإجازة الأبوية، والحضانات مدعومة بشكل كبير، ونموذج العائل قد ترسّخ بشكل عميق- وانتقل من انحصاره في مكان العمل إلى الهيمنة على الثقافة الشعبية، وعلى الرغم من أنّ يوماً ما كانت ربَّات المنازل هنّ أساس إعلانات المنتجات طول المدة النهارية للتلفاز، ربَّات منازل سعيدات يسوقن لمنتجات النظافة، فقد أصبح هذا الأمر نادراً الآن.
إنهنّ “قطاع غير موجود” كما ذكر جونا أندرسون المستشار العام في “The Brand Union”-شركة سويدية لتصميم العلامات التجارية-. ومن فترة لأخرى تحتاج الإعلانات العالمية لأن تعاد مراجعتها لإزالة الإشارات المهينة لـ”ربَّات المنازل” كما يقول. فالسيد أندرسون وزملاؤه يركزون على ما يسميه قطاع “المرأة المشغولة”، كما قال “فمن الشوكولاه وحتى السيارات، فأنت في حاجة لاستهداف النساء العاملات”.
ركز سياسيو الدول الاسكندنافية لمدة طويلة على المرأة العاملة، تارةً بإعطائهم دعماً لرعاية المسنين والعناية بالأطفال و –مؤخّراً- حوافز مالية للرجال لأخذ إجازة أبوية. وقامت هذه السياسات بشكل عام بزيادة النمو الاقتصادي؛ فقد زادت دخلَ الضرائب وأعطت المرأة التي أرادت العمل المزيد من الاستقلال المالي والفوائد المجتمعية والإنجازات الشخصية –باختصارٍ ما يسميه العديد من الناس بالـ”حرية”، لكن الهندسة الاجتماعية أداة عمياء، والبعض أصبح قَلِقاً من أنّ حرية النساء العاملات قد جاءت على حساب إهمال أقلية ممن أرادوا فعل الأشياء بطريقة مختلفة.
جورن ليندل أمٌّ لثلاثة وزوجة رائد أعمال سويديّ، حاولت أن تكون ربة منزل ولم تستطع أن تنجح في ذلك. “سخروا مني” كما قالت، لقناعتها أنّ أبناءها يستحقون أن يجدوا أمهم في المنزل، وقد عَلِمَتْ أيضاً أنها لا تستطيع وضعهم في الحضانات الموفرة من قِبَل الدولة لبضع ساعات كل يوم أو أسبوع لأنها كانت محفوظة للأُسَر التي يكون فيها كِلا الأبوين عاملين، أو يبحثان عن عمل أو يدرسان. وانتهى بها الأمر بالتسجيل في جامعة بدون أن يكون لها اهتمام بالمقرر التعليميّ، أو على حد تعبيرها: “مضيعةً طاقاتي لأحصل على شيء في الأصل توفره أموال ضرائبنا”.
لا يوجد طريق سهل لإصلاح التَّبِعات غير المرغوبة لسياسات حسنة النية. بعضُ الإصلاحات كإعطاء بَدَل نقدي للعناية المنزلية حيث تدفع النرويج والسويد للوالدين الماكثين في المنازل الذين انسحبوا من نظام العناية الصحية، فقد أدَّت كثيراً إلى تقوية الوصمة المرتبطة بربَّات المنازل: القلق من أن يكون هذا البدل المالي -المنتشر وسط الطبقة العاملة وعوائل المهاجرين- معيقاً لقدرة الاندماج الاجتماعيّ عبر إبقائها الأطفال ذوي الخلفيات الفقيرة والأجنبية خارج الرعاية النهارية التي تساعد على الاندماج، يجعل هذه السياسة مثيرة للجدل.
إحدى الطرق الأقل تكلفة وربما أكثر فاعلية قد تكون عبر استيعاب وفهم مساهمة ربَّات المنازل في الاقتصاد أخيراً وبصورة رسمية كما قالت هيلين بيرفير الاقتصادية في “Institut d’Etide Politique” في باريس: “الأمر لا يتعلق بأن تتلقَّى راتباً”، تقول السيدة بيرفير مشيرةً إلى أن القيمة الاقتصادية التي تنتجها ربَّات المنازل تظل في منازلهنّ، “فالأمر يتعلّق بأن يكون لعملك قيمة”، أو على حد تعبيرها: “أفترض أن الوقت قد حان كي يتم حسبان العمل المنزلي غير المدفوع والعناية المنزلية في الناتج القومي الإجماليّ”، والنساء العاملات لهن فائدة في هذا الأمر: فلايزال تلك النسوة يقمن بمعظم العمل المنزلي غير مدفوع القيمة، حتى في السويد.
(-) المقال منشور في موقع النيويورك تايمز، عام 2010م.
(–) مديرة مكتب النيويورك تايمز ببرلين، وكاتبة شهيرة في عدد من المجالات كــ: السياسة الأوروبية والجندر والإرهاب، حاصلة على زمالة في جامعة هارفارد عام 2012م.
(—) باحث ومترجم بمركز تأسيس.
(—-) اصطلحتُ في هذا المقال على ترجمة “Housewife” لـ”ربّة منزل”، بينما استخدمت كلمة “معدة منزل” لترجمة: “Housemaker” (المترجم).
(—-) ترجمة ليست بتلك الدقة لكلمة “Romanticizing”.