المؤلف: ويليام سي. تايلور – ترجمة: عمرو بسيوني، وأسامة عباس
الناشر : دار الروافد للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 378 صفحة
سنة النشر : 2018 م
منذ بداية الثورات العربية لعبت الجيوش دوراً محورياً في تشكيل نتيجة الاضرابات الشعبية واسعة النطاق، وعلى الرغم من أوجه التشابه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكثيرة بين الدول العربية؛ فإن الجيوش العربية لم تستجب للثورات بصورة موحدة، فبعضها قد انكسر أو تفتت، وبعضها ظل موحداً، وأيَّد بعضها النظام الحاكم بقوة، ووقف بعضها بجرأة مع المتظاهرين، وبقي بعضها على الحياد. يحاول هذا الكتاب تقديم نموذجٍ لتفسير الكيفية التي استجابت بها الجيوش مع المظاهر المختلفة للثورات العربية، ومستقبل العلاقات المدنية – العسكرية في الشرق الأوسط.
الفصل الأول من الكتاب عبارة عن مقدمة توضح للعالم الغربي كيف أن فهمه للعالم العربي ضئيل، وأن الأدبيات الي تحاول أن تعالج سؤال : تباين استجابات الجيوش للثورات العربية؛ عانت من التبسيط الشديد لذلك اللغز المعقد، عن طريق تأطير السلوك العسكري في ثنائيات منتظمة، وأنها أجابت إجابة صحيحة عن أسئلة ” لماذا ؟ و كيف ؟ ” حدثت هذه الاضطرابات الاجتماعية؛ إلا أنها لم تكشف بصورة كافية عن السبب وراء اختلاف استجابة الجيوش. وأن الوسائل التقليدية للنفوذ الأمريكي على صنع القرار العسكري العربي غير مؤثرة وفاعلة في عملية صنع القرار. يختم الكاتب هذا الفصل بشرح مبسط عن خطة الكتاب؛ الذي يتكون من قسمين رئيسين: فالفصل الثاني يستعرض الكتابات الرئيسة حول العلاقات المدنية العسكرية العربية، ثم الفصول من الأول حتى السابع هي جوهر البحث فهي تتعلق بدراسة استجابات الجيوش العربية للصحوة العربية التي حدثت في النصف الأول من عام 2011، و يدرس الجزء الأخير من البحث تأثير إرسال الضباط الأجانب للتدريب في الكليات العسكرية الأمريكية ( الفصل الثامن )، ثم الفصل التاسع الذي ينظر إلى الاستجابات المحتملة مستقبلاً للجيوش العربية إزاء استمرار الاضطرابات الاجتماعية.
الفصل الثاني يكشف عن التفسيرات التاريخية للعلاقات المدنية العسكرية في الشرق الأوسط؛ التي يمكن تقسيمها إلى ثلاث فترات. الجيل الأول ” العصر الذهبي ” من هذه الأبحاث يمتد من الخمسينات إلى السبعينات من القرن الماضي، وسعى لشرح سلسلة الانقلابات العسكرية التي وقعت في مختلف أنحاء الشرق الأوسط و بلدان العالم النامي، وبلغت الأبحاث أوجها وخلق العلماء و الباحثون خزاناً عميقاً من النماذج التفسيرية التي تسعى لتفسير السلوك العسكري المدني و التنبؤ به في فترات الاضطراب الاجتماعي، و شملت النماذج التفسيرية الكبرى: الهوية الثقافية للجيش ، والمصالح الفئوية للضباط ( الطبقة، والمنطقة، و العرق )، والمصالح المؤسسية للجيش، والمصالح الذاتية لأفراده، وضعف المؤسسات السياسية، وحجم القوة العسكرية، وخطر التهديدات الخارجية. الجيل الثاني ” العصر المظلم : 1980-2000 ” بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من الانقلابات العسكرية المتكررة التي اجتاحت الشرق الأوسط؛ كان هناك تراجع حاد في الانقلابات العسكرية المتكررة، تزامن هذا التراجع مع موجة من الأنظمة الاستبدادية الغامضة والسرية، والتي وجد الباحثون صعوبة في اختراقها، مع اعتقاد كثير من الباحثين أنه لم يعد هناك إلا القليل جداً من الموضوعات التي تستحق المناقشة؛ نتيجة لحالة التشبع في الفترة السابقة. الجيل الثالث ” 2000- ؟ ” مع فشل الأدبيات السابقة في تفسير التباين في استجابات الجيوش للربيع العربي؛ فإن الباحثين في حاجة إلى الانتقال إلى الجيل الثالث من الدراسات الذي يراعي متغيرات جديدة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والتغيرات الديموغرافية، والعولمة، وتحسن التعليم.
الفصل الثالث يمثّل جوهر البحث يحاول فيه تايلور نمذجة صناعة القرار العسكري في فترات الاضطراب الاجتماعي، ولشرح التباين في السلوك العسكري صنع تايلور نموذج للقوات المسلحة كفاعل عاقل يصوغ قراره في سياق مستمر من إعادة التقويم لمصالحه و قيوده. ويتوقع هذا النموذج حسابات صنع القرار العسكري اعتماداً على عدة فروض. أولاً: أن القادة كبار الضباط هم أصحاب القرار وحدهم؛ فالضباط تحت رتبة جنرال يتوقع منهم أن ينفذوا الأوامر. وثانياً: أن قيادة المؤسسة العسكرية فاعل عقلاني، وأنها سوف تمارس تحليلاً للتكاليف والفوائد التي تمس المؤسسة بصرف النظر عن السياق الوطني. ثالثاً: أن القيادة ستراعي في المقام الأول التهديدات والفرص المتاحة في ضوء سلطتها ونفوذها كمؤسسة، وليس بالخضوع لسيطرة قوة: معايير أو أفكار أو تحيزات معرفية لأفراد القيادة. يقوم النموذج على أن هناك علاقة سببية مباشرة بين القيود المفروضة على المؤسسة العسكرية و مصالحها، ويمكن أن ينظر إلى كل من هذين المتغيرين المستقلين، القيود المفروضة و المصالح؛ باعتبارهما سلسلة متصلة من الانخفاض و الارتفاع، بدرجات متفاوتة من دعم النظام أو المتظاهرين. عرّف تايلور القيود باعتبارها: أية آلية تحدُّ من قوة الجيش، أو حرية حركته، أو قدرته على اتخاذ القرار ” السيطرة العرقية، الميزانية العسكرية، التنظيم العسكري، اختيار الضباط،…الخ “.
وعرّف المصلحة باعتبارها: أي دافع قد يؤدي إلى انحياز الجيش إلى دعم الانتفاضة الشعبية بدلاً من النظام والرغبة في زيادة المكانة الاجتماعية، وزيادة استقلال الجيش، وزيادة سيطرة الجيش على الاقتصاد، وزيادة النفوذ العسكري على حساب السلطة السياسية، … الخ “. يقسم النموذج العوامل الفاعلة في الساحة إلى ثلاث مجموعات رئيسة: النظام ” القيادة السياسية و الهياكل الحكومية التي على قمة السلطة “، والمتظاهرين، و النخبة العسكرية ” باعتبارها حكم في العملية “. و يصوغ النموذج قرارات الجيش باعتبارها تحليلاً مستمراً لحسابات الفوائد/التكاليف؛ اعتماداً على الجولات المستمرة من القرارات بين النظام و المتظاهرين. فخلال كل فترة من فترات الاضطراب الاجتماعي يتخذ النظام و المتظاهرون، ما يواجهه الجيش بمجموعة مماثلة من القرارات. قائمة التوقعات الناتجة عن السلوك العسكري كالاتي: ستؤدي القيود المرتفعة التي تصاحبها مصالح منخفضة إلى توقع أن يدعم الجيش النظام بقوة، و ستؤدي القيود القليلة التي تصاحبها مصالح كثيرة إلى أن ينحاز الجيش للمتظاهرين، و ستؤدي القيود المرتفعة التي تصاحبها مصالح مرتفعة إلى أن تكون النتيجة غامضة، و ستؤدي القيود القليلة التي تصاحبها مصالح منخفضة إلى أن تكون النتيجة غامضة ايضاً.
الفصول من الرابع و حتى السابع تقدم تحليل لعدد من الجيوش العربية خلال الانتفاضات الشعبية، عن طريق مراقبة التطورات السياسية و الاجتماعية التي صاحبت الانتفاضات، ثم التحليل النوعي لكل مؤشر من مؤشرات القيود أو المصالح، و تناولت الدراسة أربعة دول هي: تونس ” الدعم الطموح للمتظاهرين “، و سوريا ” الدعم المتوهج للنظام “، مصر ” الدعم المتردد للمتظاهرين، ليبيا ” الدعم المنكسر للنظام ” على الترتيب، تم اختيارهذه الدول الأربعة لوجود كثير من أوجه التشابه في الأداء الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي .
الفصل الثامن يدرس تأثير الولايات المتحدة على صناعة القرار العربي في أوقات الاضطراب الاجتماعي، فعلى مدى عقود طويلة سعت الولايات المتحدة للتأثير على الجيوش العربية، وشملت أساليب ممارسة ذلك التأثير: المنح الدراسية لضباط الجيوش العربية، وتنظيم التبادلات و المناورات العسكرية، ورحلات التعريض الثقافي مع الجيوش العربية، وتقديم مساعدات عسكرية و اقتصادية ضخمة للدول العربية. من أجل تقييم التأثير أجرى الكاتب استطلاعاً للرأي لعدد 120 ضابطاً من الذين التحقوا بكليات عسكرية أمريكية، و كانت النتائج في معظم الحالات تثبت عدم التأثير الإيجابي لهذه الأساليب.
الفصل التاسع يتناول خمسة سيناريوهات محتملة لقرارات المؤسسات العسكرية في الفترات القادمة من الاضطراب الاجتماعي، وذلك بالنظر إلى مستويات مختلفة من أداء الحكومات و الأداء الاقتصادي، و تماسك المجتمع المدني، ومستوى النفوذ الأجنبي، ومستويات القيود على الجيش، ومصالحه من وراء التغيير.
يمكن القول أن نموذج صناعة القرار العسكري في فترات الاضطراب الاجتماعي الذي قدمه وليام سي.تايلور في هذا الكتاب؛ يساهم بصورة فاعلة في عملية استشراف مستقبل العلاقات المدنية – العسكرية في الشرق الأوسط، لكن بنظرة دقيقة للنموذج، نجد أنه يعاني من بعض جوانب القصور في الفرضيات التي بُني عليها النموذج، وغياب متغيرات كان لها تأثير في عملية صنع القرار. كان لهذا أثره الواضح في النموذج؛ الذي كانت نتيجة توقعاته في حالتين من أصل أربعة غامضة. قام النموذج على فرضية أن القادة كبار الضباط هم وحدهم أصحاب القرار، و الضباط تحت رتبة جنرال دورهم تنفيذ الأوامر فقط، هذه الفرضية مع صحتها إلا أنها أغفلت جانب الضغط الذي يمكن أن يقوم به صغار الضباط في عملية صناعة القرار العسكري.
و بالرجوع إلى العوامل الفاعلة في الساحة التي قدمها النموذج “النظام، والمتظاهرين، والنخبة العسكرية ” نجد أن تايلور قصر النخبة العسكرية في قيادة الجيش، وأغفل تأثير بعض المليشيات و القوى الأمنية؛ التي قد يكون بعضها تنسيق قوي كما ظهر في بعض الدول، بالإضافة لعملية الفصل التام بين النظام و النخبة العسكرية؛ والذي أظهرت بعض الدول قوة الترابط بينهما. هناك عوامل أخرى لعبت دور أساسي في عملية صنع القرار منها على سبيل المثال: السياق التاريخي لبناء الدولة و دور المؤسسة العسكرية في ذلك، فهناك دول كان دور المؤسسة العسكرية فيها ضعيف ” مثل تونس ” ؛ وكانت نتيجة ذلك بعد المؤسسة العسكرية عن السياسة و الاقتصاد، وهناك دول لعبت المؤسسة العسكرية الدور الرئيسي ” مثل مصر” ؛ وكانت نتيجة ذلك جمهورية للضباط تتحكم في العملية السياسية و الاقتصادية. التأثير الإقليمي و الدولي لعب دوراً محورياً في بعض الدول، ففي الوقت الذي كان الجيش السوري يتحرك بصورة قوية إلى دعم المتظاهرين؛ شكل الدعم الخارجي الذي تلقاه نظام الأسد خط رجعة للجيش. يجدر الإشادة بالجهد الذي قام به تايلور في عملية التحليل النوعي، وتحديد القيود و المصالح، والتركيز على دراسات الحالة لكل دولة على حدة، والغياب الحاد في البيانات القابلة للدراسة والمقارنة، فضلاً عن انعدام الشفافية بين حكومات المنطقة.
سنحاول تحليل الاستجابة العسكرية للانتفاضة في السودان عن طريق نموذج وليام سي.تايلور، والتنبؤ بمستقبل العلاقات المدنية -العسكرية. بالرجوع إلى الثورة السودانية و الخط الزمني لأحداثها يمكن تقسيم الحراك إلى مرحلتين. المرحلة الأولى من 19 ديسمبر و حتى بداية شهر أبريل، والمرحلة الثانية من 6 أبريل وحتى اقتلاع البشير في 11 أبريل. يمكن القول أن الجيش السوداني كمؤسسة لم يواجه إلا القليل من القيود، وأن علاقته مع النظام كانت مميزة، وتمتع بحرية نسبية. لم تكن هناك ضوابط عرقية كبيرة على التحاق الضباط بالقوات المسلحة أو ترقيتهم، وعلى الرغم من أن غالبية ضباط الجيش من القبائل الواقعة في شمال السودان، لكن يمكن القول أن الولاء و الأيدولوجية كان لها التأثير الأكبر لا العرق. يتمتع الجيش السوداني باستقلالية في التحكم في وحداته و تنظيمها، وعلى هذا النحو كانت بنية الجيش القتالية القوية متمركزة في المناطق الاستراتيجية، في الخرطوم و مناطق النزاعات. تمتع الجيش السوداني بنسبة عالية من ميزانية الدولة السنوية، وتمتع باستقلال نسبي فيما يتعلق بالتحكم بها. سهّل نظام البشير للقوات المسلحة الانخراط في العمل التجاري و الصناعي، والذي يعد أمراً جديداً في تاريخ السودان الحديث.
بالنظر للمصالح المتوقعة من دعم الجيش للمتظاهرين نجد أيضاً أنها مرتفعة إلى درجة ما، وعلى الرغم من انخفاض شعبية القوات المسلحة في حكم الإنقاذ، إلا أنها حافظت على مكانة جيدة في المجتمع السوداني. نجد أن كبار الضباط يتمتعون بمكانة خاصة عند البشير؛ مما سهل لهم الحصول على امتيازات وإعفاءات في أمورهم الخاصة، ويمكن القول أيضاً أن هذا الوضع لم يوفره أي نظام سابق للقوات المسلحة و ضباطها. لا يمكن إغفال المنافسة بين الجيش وجهاز الأمن من جهة، وبين الجيش وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، مع ضعف القوة القتالية للجيش استطاعت القوات الأمنية و قوات الدعم السريع من تحقيق انتصارات ساحقة في دارفور و في مناطق النزاع في الحدود الجنوبية، خلقت هذه الانتصارات حالة من التنافس والتوتر بين هذه القوات، الذي ظهر بصورة واضحة في نقض قائد قوات الدعم السريع لأداء الجيش، ورفضه العمل تحت مظلته، هذا الصراع يضمن للقوات المسلحة مكاسب سياسة ومكانة اجتماعية أكبر، في حالة لعبها دور الحَكم في الانتفاضة و الانحياز للمتظاهرين. في المرحلة الأولى من الحراك لم يظهر الجيش أي دعم للمتظاهرين و ظل متردداً، بالرغم من أن النموذج يفرض دعم الجيش للانتفاضة في حالة القيود المنخفضة و المصالحة المرتفعة، ويرجع ذلك للغموض الذي يكتنف المشهد، والقوى الفاعلة التي تقف وراء الحراك، ومحاولة النظام استمالة الجيش، والذي ظهر جلياً في تصريح البشير في عطبرة بأنه يثق في الجيش و سيسلمهم السلطة في حال التنحي، مع فرض حالة الطوارئ التي تزيد من نفوذ الجيش، مع عدم وجود أي محاولة من المتظاهرين لاستمالة الجيش، هذه العوامل خفّضت من المصالح المتوقعة للجيش في حالة دعم المتظاهرين.
في الفترة الأخيرة من هذه المرحلة، لاحظ المتظاهرون أن القمع و العنف كانت وراءه كتائب الظل، وأن غالبية القوات كانت تتعامل معهم باحترام، وأنه بعد فرض حالة الطوارئ و نزول الجيش قلت وتيرة القمع و الضحايا، دفعت هذه المؤشرات القوى الفاعلة التي تقف وراء الحراك ، للتنسيق مع القوات الأمنية و اختيار ساحة القيادة العامة للقوات المسلحة مكاناً لانطلاق موجة جديدة من الحراك. المرحلة الثانية بدأت بتدفق المتظاهرين إلى ساحة القيادة العامة بأعداد كبيرة و الاعتصام فيها، وكسر الطوق الأمني الذي ظهر ضعيفاً على غير العادة؛ وأرجع البعض ذلك للتقارير المضللة. بعد محاولتين لفض الاعتصام بالقوة ظهرت بوادر انقسام داخل الجيش و اللجنة الأمنية بصورة واضحة، ويمكن اثبات ذلك استناداً لتصريح السيد الصادق المهدي الذي أشار فيه لرفض صلاح قوش رئيس جهاز الأمن فض الاعتصام بالقوة، وتصريح الفريق جلال الدين الشيخ عضو المجلس العسكري المستقيل عن رفضهم فض الاعتصام بالقوة و ضرورة تنحي البشير. في هذه المرحلة ارتفع مؤشر المصالح المتوقعة من دعم الجيش للمتظاهرين، واقتلاع النظام وهذا ما حصل بسرعة بعد خمسة أيام فقط. حقق الجيش كثير من المصالح مباشرة بعد اقتلاع النظام، من دمج لقوات الدفاع الشعبي، والسيطرة على الأمن و ضم كثير من أملاكه للقوات المسلحة. إن عملية استشراف المستقبل تُعد أمراً صعباً في ظل التعقيد، و الحِمل الزائد من المعلومات، وغياب اليقين، إلا أن هذا النموذج يساهم في مساعدة صُنّاع السياسات في فهم الكيفية التي قد تتصرف بها تلك الجيوش، و غربلة تعقيدات السلوك الإنساني.
في الختام هذه محاولة لوضع سيناريوهات لمستقبل العلاقات المدنية – العسكرية. السيناريو الأول ” الأقوى”: رغبة المجلس العسكري في الحكم والدخول في العملية السياسية ، والخوف من الخطر الذي يهدد سلطات الجيش و مصالحه الاقتصادية في ظل حكم المدنيين، يشبه هذا السيناريو الحالة المصرية، يمكن القول أن المجلس العسكري سيسلم الحكومة للمدنيين مع الاحتفاظ بمجلس السيادة ، وصلاحيات واسعة في عملية اتخاذ القرار، ثم يعمل المجلس على إضعاف أداء الحكومة الاقتصادي و استغلال حالة السخط و استلام السلطة . السيناريو الثاني ” الأضعف “: زهد المجلس العسكري في الحكم والدخول في العملية السياسية، و الحرص على التحول الديمقراطي، والاكتفاء بدور المراقب في المرحلة الإنتقالية، والتوافق مع القوى المدنيين فيما يتعلق بسلطات الجيش و مصالحه، يشبه هذا السيناريو الوضع في تونس. وعي القوى السياسية بملف العلاقات المدنية – العسكرية، وقدرتها على استيعاب كل مكونات الشعب السوداني، واستغلال الصلاحيات الممنوحة لها في الفترة الانتقالية لترسيخ الديمقراطية، هذه الشروط مجتمعة بالإضافة لغيرها كفيلة بنجاح الثورة السودانية.