انبعاث
الالحاد الجديد
مع تفوق البيض في الولايات المتحدة، يسعى كتَابٌ جديد إلى إعادة أحد فروعه الأيديولوجية إلى الصدارة
حميد دباشي
ترجمة: علي آدم عيسى
فى مارس من هذا العام ظهر كتاب جديد في سوق الكتب فى الولايات المتحدة يسمى “الفرسان الاربعة”. يضم الكتاب مقدمة من قبل الممثل الكوميدي البريطاني ستيفن فراي، وثلاثة مقالات، ونصف المناقشة المسجلة عام 2007 بين أربعة من مؤيدي ما يسمى “الالحاد الجديد”؛ ريتشارد دوكينز، سام هاريس، دانيال دينيت، وكريستوفر هيتشنز.
وقبل هذا اللقاء، كان الأربعة قد ألّفوَا كتباً يقولون فيها إِنَّ الدِّينَ و”الحرّب المقدسة” يشكلان أكبر تهديد للحضارة الإنسانية، وبالتالي لا ينبغي التسامح مع التَدَيَّن في “المجتمعات الغربية”.
كما أن أعمالهم – دوكينز (وهم الإله)، هاريس (نهاية الإيمان)، دينيت (كسر التعويذة: الدين كظاهرة طبيعية)، وهيتشنز (الله ليس عظيما) – كلها كُتِبت أساسا كرد فعلٍ أعمى لهجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، والتي تم فيها الترّكيز بشكل كبيرعلى المسلمين والعالم الإسلامي، مما يدّل على جَهْلٍ ملحوظ بكليهما.
وغني عن القول إن أيا من الأربعة لم يتمكن من تقديم أي فهم تاريخي جاد لهذا العمل الإرهابي، أو لماذا حدث، أو ماذا يعني، أو كيفية منع حدوث أعمال عنف مماثلة في المستقبل. كما أنهم لم يُقدموا أي مساهمة جادة فكريا أو جديرة بالملاحظة في النقاش الدائر منذ آلاف السنين حول الإيمان/عدم الإيمان بالله.
وقد اختار الناشرون أن يُحيوا، اليوم، هذه الجلسة المتداعية من الخوف من الإسلام -التي تبلغ من العمر 12 عامًا- والتي تم الإعلان عنها على أنها “مناقشة تاريخية حول الإلحاد الجديد”. ومع ازدهار تفوق العرق الأبيض حاليًا في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، من المؤكد أن كتابًا عن “الإلحاد الجديد” – وهي حركة فكرية زائفة ساهمت بشكل كبير في صعوده – سيباع بالتأكيد.
الجَهْل المرّكب
قبل المضي قدما، دعونا نكون واضحين: الإلحاد في حدّ ذاته هو اقتراح صحي تماما والعالم، بما في ذلك الجزء المسلم منه، لم يكن أبدًا خاليا من الملحدين. في كثير من الأديان والثقافات، هنالك ملحدون محترمون ومنطقيون، وبالمقابل هنالك مؤمنين محترمين وعقلانيين، يمكنهم، بل وينبغي عليهم، أن ينخرطوا علناً في النقاش حول الدين والإيمان بالله دون الاستسلام للكراهية والقناعات المرتبطة بتفوق المرء الاجتماعي. إنّ مثل هذه المحادثات المفتوحة والصادقة مفيدة حقاً لأي مجتمع أو أمة وينبغي تشجيعها.[1]
ولكن ما أطلق عليه اسم “الفرسان الأربعة” وماشاركوا فيه من نقاشات في عام 2007 وفي ظهورهم وكتاباتهم العلنية، لم تكن نقاشات مفتوحة وصادقة. بل إن مجمل أعمالهم مجرد هجوم شرس على مجتمع قوامه 1.5 بليون شخص ومتنوع ديناميكيًا للغاية.
إذن من هم الفرسان الاربعة “الملاحدة الجدد” الصليبيين؟ (نعم، قد ينكرون ذلك، لكن في الواقع -وإلى حد كبير- هذه الحركة هي نتاج التقليد الصليبي المسيحي الغربي الأبيض)؟ إنهم جميعاً رجال بيض كبار في السن، لم يشرعوا قط في دراسة الإسلام، ولا يتحدثون العربية -لغة القرآن- وبالتأكيد ليس لديهم نظرة خاصة إلى أي مجتمع مسلم على وجه الأرض، فهم حرفيا أميون.
فلنبدأ بسام هاريس، على سبيل المثال. ففي كتابه: (نهاية الإيمان) والذي خصص فيه فصلا كاملا لـ”المشكلة مع الإسلام” يقول: “في معارضتنا للرؤية العالمية للإسلام، نواجه حضارة ذات تاريخ جامد. وكأنه قد تم فتح بوابة في الوقت المناسب، وجحافل القرن الرّابع عشّر تتدفق في عالمنا. للأسف، هم الآن مسلحون بأسلحة القرن الحادي والعشرين”. يشعر المرء بالحيرة عند التفكير في ما إذا كان ينبغي عليه التصدي للعنصرية الجامحة، أو الجهل المتجذر، أو الابتذال السافر لمثل هذه التصريحات.
وأما دوكينز، -الإسلاموفوبي المسعور-، والذي يستخدم الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد التي رسمتها صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية، والتي أَثارَت احتجاجات حاشدة في جزء من البلدان الإسلامية، لتصوّير جميع المسلمين في كتابه (وهم الإله) على أنّهم عصابة من المختلين الوهميين. في رأيه: “الدنماركيون يعيشون في بلد توجد فيه صحافة حرّة، وهو أمر قد يواجه الناس في العديد من البلدان الإسلامية صعوبة في فهمه.” بهذه الجملة الواحدة، يحاول دوكينز (لكنه يفشل) محو التاريخ الطوّيل والمستمّر لنضال الُمْسلمينَ من أجلّ حرّية التعبير والصحافة الحرة.
وفي كتابه: (كسر التعويذة: الدين كظاهرة طبيعية) ينخرط دانييل دينيت أيضا، في بعض الاستنتاجات الكاسحة والغير دقيقة إلى حد كبير. على سبيل المثال، يقوم بالملاحظة المذهلة التالية: “تجدرُ الإشارة إلى أن الكلمة العربية “الإسلام” تعني “الخضوع”. وبالتالي فإن فكرة أنّ المسلمين يجب أن يضعوا انتشار الإسلام قبل مصالحهم الخاصة بنيت مباشرة في أصل اسمه.” في المقابل فإن الإسلام يعني الخضوع لمشيئة الله، التي هي ركيزة لاهوتية مركزية في العديد من الأديان والتي لا علاقة لها بـ “انتشار الإسلام”.
وأخيراً وليس آخراً، فإن هيتشنز مبدع بنفس القدر باستنتاجاته الزائفة حول الإسلام في كتابه: (الله ليس عظيماً). مثال واحد فقط يكفي لذلك حيث يقول: “الرعب الحقيقي من الخنزير يتجلى في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك استمرار حظر رواية “مزرعة الحيوان” لجورج أورويل، وهي واحدة من أكثر الأعمال سحراً وفائدة في العصر الحديث، التي يُحرم منها تلاميذ المدارس المسلمون”. أنا مسلم. لقد ولدت وترعرعت في بلد مسلم. قرأت مزرعة الحيوانات لجورج أورويل باللغة الفارسية في إيران عندما كنت في سن المراهقة. وقد تُرجمت الرواية إلى الفارسية بعد وقت قصير من نشرّها باللغة الانجليزية، ومنذ ذلك الحين كان لها العديد من الترجمات الفارسية، وأنا شخصياً أدرجته مراراً وتكراراً في دروسي.
الإلحاد الجديد والإمبريالية الغربية
من الواضح تماما من كتابات “الفرسان الأربعة” أن “الإلحاد الجديد” لا علاقة له بالإلحاد أو أي فحص فكري جاد للإيمان بالله، وإنما كل شيء فيه يدور حول الكراهية والسلطة. في الواقع إنّ “الإلحاد الجديد” هو المقدمة الإيديولوجية للإمبريالية الليبرالية، التي توسع علمانيتها المتعصبة والمنطق العنصري لتفوق العرق الأبيض. في حين أن المحافظين اليمينيين يفضلون “المسيحية اليهودية” -فكرة أن “الحضارة اليهودية المسيحية متفوقة على جميع الحضارات الأخرى؛ يختار الليبراليون “الإلحاد الجديد” -أو فكرة أن المجتمعات الغربية “العلمانية” متفوقة على جميع المجتمعات الأخرى-. وعلى الرغم من ذلك إلا أنّ كلاّهما، متفقان تمامًا حول تفوق عرقهم الأبيض المُتخّيل، والذي من المفترض أنه يمنحهم الحق في إحداث الفوضى في جميع أنحاء العالم كما يحلو لهم. أي أنهما وجهان لعملة واحدة هي الإمبريالية الرخيصة.
ومثلما يشجع التفوق الدّيني الأبيض العنف الفردي والعنف الذي ترعاه الدولة ضد أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم “أدنى”، فإن ذلك ينطبق أيضاً على “الملاحدة الجدد”. تاريخياً، كان “الملحدين الليبراليين” ينضمون دوماً وبفارغ الصبر إلى إخوتهم “المحافظين المسيحيين” في نداء المعركة قبل أي عدوان أمريكي في أي مكان في العالم. ومع ذلك، هذا لا يعني أن مثل هذا التعصب القاتل يحدث فقط في الولايات المتحدة (وبالتالي أوروبا). إنّ الإسلاموية المتشددة والصهيونية المتطرفة لها نفس الجذور بالضبط. فإذا كان أبو بكر البغدادي وأسامة بن لادن رمزين للتعصب الإسلامي، فإن مئير كاهانا وبنيامين نتنياهو وأيليت شاكيد ونفتالي بينيت هم الأمثلة الرئيسية على التعصب الصهيوني، و”الفرسان الأربعة”، بالاضافة الى ستيف بانون، ومايك بومبيو وآخرون؛ هم حاملو لواء الإمبريالية المسيحية العلمانية في أعلى هرم السلطة. في المعركة المستعرة بين هذه الأيديولوجيات البغيضة والسامة، التي تزدهر وتتغذى من بعضها البعض. فإن البلايين من البشر -اليهود والمسيحيين والمسلمين والملحدين- الذين يدفعون الثمن بأرواحهم، عالقون في مرمى نيران هذا الصدام من الجهل والهمجية. وهكذا، فإن روبرت باورز، الذي قتل أحد عشرا من المصلين اليهود في الولايات المتحدة، وبرينتون تارانت الذي ارتكب مذبحة بحق 51 مسلماً أثناء صلاة الجمعة في نيوزيلندا، وأعضاء من جماعة التوحيد الوطنية، الذين قتلوا 257 شخصاً خلال مذبحة عيد الفصح في سريلانكا، والجنود الإسرائيليون الذين قتلوا خلال العام الماضي أكثر من 260 فلسطينياً أعزل خلال احتجاجات حق العودة عند السياج الإسرائيلي في غزة، كلها أرواح بريئة. وفي عالم اليوم، يسير القتل الجماعي والتعصب الديني والعلماني جنبا إلى جنب.
[1] فقرة تتضمن معنىً باطلا فالفكر الالحادي الذي ينكر وجود الله جلا وعلا ويعادي الاديان يصور البشرية على انها في حالة حرب ضد الدين وان الالحاد هو الحقيقة والاديان ليست الا خرافات بزعمهم.
رابط المقال
https://www.aljazeera.com/indepth/opinion/resurrection-atheism-190503132921871.html