على لهيب الأحداث المتتابعة التي أعقبت الثورة السودانية، وتشكل مسرح سياسي واجتماعي جديد يتوزع خلاله الفاعلون على مرأى وتركيز الشعب السوداني بصورة – يمكننا القول – أنها لم تسبق من قبل، برزت جماعة أنصار السنة المحمدية كفاعل رئيسي نال رضا واستحسان قطاعات واسعة من السودانين والمهتمين بالشأن العام وغيرهم من الناشطين والسياسيين من مختلف الفئات والأطياف، برزت الجماعة عبر مساهمتها الفاعلة مادياً واجتماعياً في الشأن العام والنوازل الطبيعية التي حلت بالشعب السوداني ابتداء من مبادراتها المعروفة منذ سنين خلت في السيول والفيضانات مرورًا بمبادرة «الجسد الواحد» لمجابهة السيول والفيضانات التي كانت في سبتمبر 2019 بالإضافة لهذا العام، ثم مبادرة «نفيرأهل السودان » لمجابهة جائحة كورونا في أبريل 2020 ، وأخيرًا أبرز مبادراتها والتي أحدثت صدى واسعاً وهي مبادرة «ملتقى التعايش السلمي» لمصالحة أهل الشرق في النزاعات القبلية التي اندلعت مؤخرًا، وقد أقيمت المبادرة يوم 30 أغسطس بقاعة الصداقة بالخرطوم بحضور الإدارات الاهلية والنُّظَّار ووزير الدولة بالأوقاف وعضو مجلس السيادة د.صديق تاور، وأعقب ذلك زيارات قيادات الجماعة للشرق ومقابلة عمد ونُظَّار القبائل وذلك ضمن اطار هذه المبادرة المحمودة.
تزامن مع هذه الأحداث جدل محتدم متجدد بين فريقين يمثل أحدهما الاتجاه العام لحكومة الفترة الانتقالية وحاضنتها السياسية الداعم لعلمانية الدولة أو ما يُعرَف بمسألة «فصل الدين عن الدولة»، وتصاعد الأمر مؤخرًا بعد توقيع اتفاق المباديء بين رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك وقائد الحركة الشعبية قطاع الشمال عبد العزيز الحلو يوم 3 سبتمبر 2020 والذي قد طارت الأسافير بنصِّه على مبدأ فصل الدين عن الدولة كأحد البنود الأولية والقبلية السابقة للتفاوض، وهو موقف معروف عن حركة الحلو وصرح به غير مرة، بينما مثل جانب الفريق الآخر في الجدل المحتدم غالب تيارات الاتجاهات الإسلامية عموما بحجج متنوعة ومتباينة وكانت في مجملها معارضة لخطوة علمانية الدولة وما يعرف ب «فصل الدين عن الدولة».
يحاول هذا المقال أن يلقي الضوء على هذا النقاش القديم المتجدد وهو العلاقة بين الدين والدولة أو مسألة الخط الفاصل بين الدين والسياسة، وذلك عبر تناول مبادرة جماعة أنصار السنة المحمدية للتعايش السلمي كنموذج للتدليل على مسألة رئيسية وهي صعوبة رسم خط فاصل بصورة حادة وقاطعة بين الدين والسياسة وأن هذا الخط يراوح مكانه ويعاد إنتاجه بصورة مستمرة في كل مكان بالعالم حتى دعى بعض الاكاديميين لتجاوز فكرة الفصل برمَّتها، وتأتي أهمية مثل هذا الطرح في ظل التبشير المتحمس للاتجاهات العلمانية بمسألة العلمنة وفصل الدين عن الدولة وتبسيط المسألة بصورة مخلة، فهل الأمر بهذه البساطة؟، وهل يصلح القول أن ذلك هو الدين وتلك هي السياسة وهيا بنا لنفصل بينهما؟. ويهدف أيضاً هذا المقال لابتدار نقاش حول بعض الرؤى التي باتت كلاسيكية وتجاوزها غالب الطرح العلمي في فهم «الدولة » و «العلمانية» وهي الرؤى المؤسسة للتيار الرئيس المبشر بالعلمانية في الداخل السوداني.
للإطلاع على الورقة كاملة الرجاء تحميل الملف