تقدم هذه المقالات تحليلاً اجتماعياً ونفسياً البنية النفسية للشخصية والحياة العامة في السودان، وتقدم بناءً على هذا التحليل فرضية متعلقة بصورة الزعيم أو القائد أو المصلح في الذهنية السودانية العامة. وهذه المحاولة تعتمد بصفة أساسية على استقراء مخطوطة “طبقات ود ضيف الله” التي تعد من أهم نصوص التاريخ الاجتماعي للسودان الأوسط أن لم تكن أقدم وأهم وثيقة تاريخية عن السودان. والمقصود بالشخصية العامة هو أية شخصية تتصدى لمهمة القيادة، سواءً في المجال السياسي أو الديني أو الاجتماعي..إلخ. والمقصود بالحياة العامة هو الساحة الحية التي يتحرك فيها هؤلاء القادة زائداً الجمهور من حولهم، إضافة إلى العلاقات التفاعلية بينهم.
تنطلق الفرضية الرئيسية للدراسة من أن فكرة الزعيم الخارق فكرة مركزية في تكوين الشخصية والحياة العامة السودانية. وأن هنالك بضعة شروط جوهرية لا بد من استيفائها لتصبح الزعامة خارقة. بعض تلك الشروط جسدي وبعضها معنوي وبعضها خارق للعادة والطبيعة وبعدها مرتبط بالارتباط بعواصم الحضارة الإسلامية وقتها. بهذه المواصفات فإن الزعامة الخارقة مؤسسة متكاملة؛ أي مؤسسة فيها “الدين والعجين”، إذا أردنا أن نستعير من وصفات الشيخ إدريس ود الأرباب.
ثانياً، تستند الفرضية كذلك إلى قوة تداخل الديني مع السياسي في التأريخ المذكور، فبرغم أن الصفات المؤهلة للزعامة الخارقة مستلة من دراسة نماذج اشتهرت في السودان بأنها شخصيات دينية كما أوضحت المخطوطة، إلا أن المعايير التي تضعها تمتد لتشمل الشخصيات السياسية، حتى لو لم يكن لها دعوى دينية واضحة. في هذا السياق، ترصد الدراسة ثلاثة مختلفة لطبيعة العلاقة بين الدين والسياسة في حقبة السودان الأوسط، وتجادل الدراسة بأن المتصوفة والمشايخ لم يكونوا مجرد شخصيات دينية فقط، بل إن كثير من تلك الشخصيات كان لها دور سياسي محسوس، فقط هي لم تنافس في أخذ البيعة للحكم.
ثالثاً، تمضي الفرضية لتستقصي خصائص الحياة العامة السودانية النابعة من مركزية مبدأ الزعامة الخارقة بما لها من إيجابيات وسلبيات. رابعاً، تختتم الدراسة هذا التحليل للزعامة السودانية بتحليل فترة المهدية في تاريخ السودان، وتجادل بأن أهمية التجربة المهدية لا تقتصر على نجاحها في بعدها الجهادي، أو النضالي ضد المستعمر، وإنما في أنها وفرت تجربة مثالية لمحاولة وطنية للتطور نحو الحداثة بتوافق مع الطبائع والخصائص المكونة للبيئة المحلية.
هذه الدراسة تتجنب الجدل حول صحة الحقائق الوقائع التى وردت في كتاب طبقات ود ضيف الله، وتتجنب كذلك الجدل الفقهي والعقدي حول ما جاء في تلك الوثيقة، وتنظر للوثيقة بوصفها نص تاريخي اجتماعي نفسي، وتجادل بأن العبرة، لأغراض هذه المحاولة التحليلية، لا تكمن في صدقية الوقائع الواردة فيها، ولا في صحة فقهها، وإنما تكمن العبرة في أن هذه الوقائع قد ذُكرت بصراحة ووضوح ووجدت من يصدقها ويؤمن بها ويبني أفكاره ومعتقداته وأفعاله عليها.
للاطلاع على الدراسة كاملة الرجاء تحميل الملف