يعتبر كتاب المرأة الثالثة من أهم الكتب التي تناولت الحالة النسائية ، وترجع أهميته إلى المكانة التي يشغلها الفيلسوف جيل ليبوفيسكي في الفكر المعاصروتعرضه للواقع الأنثوي بمختلف الجوانب.
– إن الفكرة الأساسية التي يحاول الكتاب إيصالها هي أن الفصل الاجتماعيبين الذكور والإناث لم ينتهي أو يؤول للزوال وإنما أعيد تدويره بصورة أقل حدة. يعرف الكاتب المرأة حسب الحقب التاريخية التي مرت بها : فالمرأة الأولى هي المرأة التابعة للرجل و التي تبقى رهينة المنزل وترعى البيت والزوج، ولا تعمل خارج المنزل أو تتولى المناصب والإدارات وهذه المرأة تمت أبلستها ووسمت بالنقص والغواية ، وكل ذلك ساهم في التراتبية بين الجنسين.
أما المرأة الثانية فظهرت إبان عصر النهضة وهي المرأة التي تغنى الرجل بجمالها وأنوثتها ولكن لم يزل ينظر إليها بصورة الكائن غير العقلاني.
أخيراً المرأة الثالثة التي تتمتع بقدر من الاستقلالية ، ولكنها في تشتت “المرأة غير المحدد” ، فهي خرجت عن المصير المعروف (الزواج والأسرة) إلى مصيرآخر مجهول.
ويدرس الكتاب سبب ظهور نموذج المرأة الثالثة وعلاقته بثقافة الحداثة والفكر النسوي وثقافة الاستهلاك.
يبدأ الكتاب بالحديث عن “الحب والجنس والغواية”، مستعرضاً التباين بين أدواره لدى المرأة والرجل، فالرجل يعتبر الحب انشغالا وسط انشغالاته، بينما يملأ الحب الكيان الأنثوي ، وعند المرأة يعتبر الحب منحً كامل للروح والجسد ،بينما عند الرجل هو استحواذ بغية إثراء ذاته .
ويعرض الكتاب رأي سيمون دي بوفواغ التي استنكرت التمايز الجنسي في الأدوار العشقية. وفي الماضي كانت المرأة دائماً ما ينظر إليها على أنها كائن غير عقلاني يفني حياته لرجل ، وقد قال روسو ” أن كل ما تتلقاه المرأة من تعليم لابد وأن يكون متعلقاً بالرجل ، أن تعجبه وتكون مفيدة له وتمارس الجنس معه وتجعل الحياة رقيقة وجميلة له .. هذه وظائف المرأة على مر الأزمان”.
وقد صوبت الحركة النسوية خلال ستينات القرن الماضي أسهمها نحو الطريقة التي ينظر بها المجتمع للمرأة وكيف أنه يخضعها لمثال الرومانسية ، وذهبت لأبعد من ذلك فجعلت الحب تخديراً للنساء ، والزواج عبودية جنسية ، وأنزلت هذه الأفكار في أرض الواقع في صورة قوانين تمنح المرأة الحرية الجنسية ،ولكن رغم ذلك فإن الصورة النمطية للحب بين الجنسين تم إعادة تشكيلها بطرق جديدة.
* أما فيما يتعلق بالجنس فيلاحظ أن النساء غالباً ما يمارسن الجنس المدفوع بالعاطفة على عكس الرجال فعلى سبيل المثال ، ترفض النساء الإباحية ( الجنس العنيف) ليس لدوافع أخلاقية ولكن لأنه بلا عاطفة ومشاعر، إضافة إلى أنه يشوه صورة المرأة ويعتبر دافع للاغتصاب.
وقد طالبت أصوات نسوية بمقاومة الإباحية ، وطالبت بوجود شوارع لعرض أجساد الرجال كما يوجد شوارع لعرض أجساد النساء ، وبعض النسويات اعتبرن الجنس رمز لتسلط الذكر على الأنثى.
* أما الغواية فقد تغيرت فيها أدوار التقارب والمغازلة على مر الأزمان ، فالرجل كان عليه أن ينهال بعبارات الثناء على المرأة ، أما حاليا فكل ما عليه أن يبدو مسلياً ، أما المرأة التي كانت سلبية في الإغواء فإنها الآن أصبحت مُبَادِرَة وتراجع الغنج الأنثوي.
ثم تحدث الكتاب عن “الجنس الجميل” وارتباطه بالإناث ، فالإناث تولي قيمة كبيرة للجمال وعادةً ما تقدس المجتمعات جمال الأنثى. ولكن في مجتمعات عصور ما قبل التاريخ والعصور الهمجية لم يكن الجمال الأنثوي موضع إهتمام ورغم ذلك قد نحتت هذه المجتمعات الاعضاء التناسلية للإناث تقديساً للخصوبة لا تقديساً للجمال.
ومع ظهور الطبقات الاجتماعية المترفة في فجر التاريخ أصبحت نساء الطبقة العليا لديهن الكثير من وقت الفراغ مما جعلهن كسولات ، وأصبحن يقضين وقت فراغهن في الإعتناء بجمالهن.
وفي العصور القديمة كانوا يعتبرون أن جمال الشكل يعبر عن جمال الروح والأخلاق، وفي عصر ما قبل الحداثة كان جمال الشكل لا يعد معياراً أساسياً للزواج وانما مكانة المرأة الاجتماعية وطبقتها هي المعيار الأساسي.
ولكن كان هناك مجتمعات عديدة تتخوف من الجمال الأنثوي ، وقد وصفت المسيحية واليهودية جمال المرأة وجسدها على انهم من الشيطان ، وحتى القرن العشرين لم تتولى المرأة مناصب إدارية خوفاً من إغراء جمالها.
ولكن مع بداية عصر النهضة بدأ تقديس الجمال الأنثوي ، فظهرت الأدبيات التي تمجد جمال المرأة وتعتبره هبة من الرب ، واعتبرت المرأة أقرب للرب لأنها جميلة والرجل اقرب
للشيطان لأنه قبيح.
ولكن هذا التقديس الجمالي زاد من النظرة إليها على أنها كائن غير عقلاني وأنها جسد فقط.
* وبحلول عصر الديموقراطية تخلت العناية بالجمال عن طابعها الارستقراطي وصارت متاحة لكافة النساء ، وأصبحت مستحضرات التجميل لا تهدف الى التمويه وتصنع الجمال بل صارت تهدف الى تجديد الشباب، وفي القرن الماضي ازداد سوق العمليات التجميلية بصورة كبيرة ، وكذلك ظهر الهوس بالنحافة فصارت الجميلة هي النحيفة واستهلكت منتجات التنحيف بكافة أشكالها ، وصارت النحافة تعبر عن النجاح وتسيد المرأة لذاتها وجسدها.
لكن ذلك جعل المرأة تخرج من عبودية الجنس والإنجاب إلى قيود جمالية ضيقة مثيرة للقلق كما أن حمى الجمال هذه أبقت على التراتبية التقليدية بين الجنسين ، فالنساء أصبحن مهتمات بالجمال والمظهر أكثر من اهتماماتهن بحياتهن العملية .
وبالنسبة للفكر النسوي فإن أسطورة الجمال سمحت للرجال بالسيطرة على النساء ، وذلك لأن النساء اللواتي لا تنطبق عليهن معايير الجمال المعينة سيقل تقديرهن لذاتهن وبالتالى لا يسعين للنجاح في المجال العام ، ولكننا نجد أن النساء زادت رغبتهن في النجاح المهني مع تزايد حمى الجمال.
إن اهتمام الإناث بجمالهن يعد في الأساس وسيلة إغواء للذكور ، ويمكن للرجل ان يعوض عن الجمال الجسدي بالمكانة الاجتماعية والثراء لكي يغوي الأنثى.
ثم يتحدث الكتاب عن دور المرأة كربة منزل وكيف أسهم الفكر النسوي والحداثة في القضاء على هذا الدور، واتجاه المجتمع نحو عمل المرأة ، ويتساءل هل حصول النساء على أعمال خارج المنزل قد ساهم في حدوث تحولات عميقة لتقسيم المهام المنزلية بين الجنسين ، فيجيب عن سؤاله بالنفي ؛ فلا تزال المرأة العاملة خارج المنزل تؤدي نفس المهام المنزلية التقليدية الموكلة إليها ، وهذا مما يعني زيادة العبء عليها.
يرى الكتاب في فصله الأخير بأن رغبة النساء في المناصب الإدارية وحصولهن عليها لا يمحي طابع السلطة الذكوري.
إن الكتاب يعد مرآة واقعية لما عليه حال المرأة في هذا العصر، ولكن يؤخذ عليه تمركزه حول المرأة الأوربية فقط فلم يتحدث عن غيرها من النساء ،إضافة إلى أنه كما عابت عليه الباحثة النسوية الفرنسية جيزيل هليمي أنه أولى للحب قيمة مفرطة في حياة الأنثى وجعل الحب مركز حياتها وهذا غيرصحيح ، كما انه اعتمد في تعريفاته للمرأة (المرأة الأولى/الثانية/ الثالثة)على نظرة الرجل للمرأة وليس على كيان المرأة ذاتها.