المؤلف: إبراهيم بن عمر السكران
الناشر : دار الحضارة للنشر والتوزيع
عدد الصفحات: 128 صفحة
سنة النشر : 2016 م
مركزية الوحي هي السمة الغالبة على كتابات الدكتور إبراهيم السكران “فرج الله عنه” ، وكتابه الطريق إلى القرآن لم يكن بدعاً من ذلك ، حيث يدعو في جوهره لتعميق العلاقة مع القرآن ، (فالقرآن الذي أقسم الله به، وتمدح بالتكلم به، وجعله أعظم الكتب السماوية التي أنزلها سبحانه، وخص به أفضل البشرية محمداً وجعل حفظ ألفاظه خاصية أهل العلم لا بد أن يكون له حضور في حياتنا يوازي هذه العظمة) ،والكتاب مجموعة مقالات-مباحث- تقع في (114 صفحة ) هي حصيلة خطرات وتباريح حول واقع القرآن في حياتنا ، وآثاره الحسية والمعنوية.
– سطوة القرآن أولى هذه المباحث ، تحدث فيها عن أحد أسرار القرآن عن تلك السطوة الغريبة التي تخضع لها النفوس حين سماعه ، حين يسري في أي مكان فتغشاه سكينه ملموسة ، هذه الظاهرة التي يصنعها القرآن تغير المواقف كلياً . بل هو أكثر عامل يدفع الإنسان الغربي لاعتناق الإسلام كما يقول :” سمعــــوا القــــرآن وشـــعروا بشـــعور غريــــب اســــتحوذ علــــيهم) هــــذا السيناريو يتكرر تقريبـا في أكثـر قصـص الـذين أسـلموا، وهـم لا يعرفـون اللغة العربية أصلا! إنهـا سـطوة القــرآن.. والله يقــول: ﴿لَو أَنْزلْنَا َ هذا القرآن َ علَى َ جبَل لَرأَيْتَهُ َ خاشعا ً متَصدعا ِمن َ خشية اللّه﴾ [الحشـر : 21 ] ، ثم ذكر أن عتاة الكفار لم يستطيعوا أن يحولوا بين عوائـل قــريش وبين الهرب لسماع القرآن وهم يزدحـمــون ويكتظـــون حول أبي بكر مـــأخوذين بجمـــال القرآن، وذكر تأثر جنس الأنبياء وانفعالهم بآيات الوحي وكيف أنهم يخرون إلى الأرض يبكون، فالقرآن له قهر وعلو ملموس على النفوس.
– انتقل الكاتب بعدها للحديث عن عجائـب هـذه الهيبـة القرآنيـة الـتي تتطـامن علـى النفـوس فتخبـت لكـلام الله، وتتسـلل الـدمعات والمـرء يـداريها ويتنحـنح ، داعياً القارئ للتأمل كيف أن “الجمــــــادات الرواســــــي تتصــــــدع، ونســــــاء المشــــــركين وأطفالهم يتهافتون سرا لسـماع القـرآن، وصـنديد جـاء يفـاوض في حالـة حـرب ومـع ذلـك “كـاد قلبـه يطـير” مـع سـورة الطـور، والجـن استنصـت بعضـــهم بعضــا وتعجبــــوا وولـــوا إلى قـــومهم منــــذرين، والمؤمنـــون الـــذين يخشــــون ربهـــم ظهــــر الاقشـــعرار في جلــــودهم، والقساوســــة الصــــادقون فاضــت عيـــونهم بالـــدمع، والملائكـــة الكـــرام دنـــت مــن الســـماء تـــتلألأ تقــترب مــن قــارئ في حــّرات الحجــاز يتغــني في جــوف الليــل بــالبقرة، والأنبيــاء مـن لــدن آدم إذا سمعــوا كــلام الله خــروا إلى الأرض ســاجدين بـاكين، ورسـول الله حـين سمـع الآيـة تصـور عرصـات القيامـة ولحظـة الشـهادة علـى النـاس اسـتوقف صـاحبه ابـن مسـعود مـن شـدة مـا غلبـه من البكاء.” وختم هذا المبحث بالحث على تخصيص أوقات معلومة من اليوم نجعلها حصرياً لكتاب الله.
– “ثمة قدر إضافي في جلال القرآن لحظة سكون الليل”، حول هذا المعني يدور المبحث الثالث الذي أختار له الكاتب “منازل الأشعريين” عنواناً ،حاكياً مارواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لأعــرف أصــوات رفقــة الأشــعريين بــالقرآن حــين يــدخلون بالليل وأعرف منازلهم مـن أصـواتهم بـالقرآن بالليـل ، وإن كنـت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار) [البخاري 4232] ، وغيرها من الشواهد الأخـــرى التي لاحظ فيهــــا هـــذا الحنـــين النبــــوي لصـوت القـرآن بالليـل ، بل حتى الملائكـة التي خرجـت عـن اسـتتارها يومـاً حـين انبعـث صـوت الصــحابي أسيد بن حضير بـــالقرآن . وكيف أن النـبي صلى الله عليه وسلم كــان يحــث أصــحابه بشــتى الطــرق -المباشـــرة وغــير المباشــرة- علــى تـــلاوة القرآن بالليل.وكيف أن الله أثنى على قوم بذلك: ﴿أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل﴾ آل عمران113. ذاكراً أنه تلمس السر وراء جلال القرآن في الليل فبدت له بعض الإشارات،فقد أشار القرآن في غير موضع إلى كون الليـل موضعاً للسـكن كمـاقــال تعــالى: ﴿فالق الإصباح وجعل الليل سكناً﴾الأنعام96 .
– وتحدث تحت عنوان “القلوب الصخرية” عن قسوة القلب، وأن العلاج الحقيقي الفعال الناجع المذهل دواء واحد لا غير وهو تدبر القرآن ، حيث أن كل تقصير يقَع فيه الْإنسان، سواء كان علمياً بالتأويل والتحريف للشريعة، أو كان تقصيراً سلوكياً بالرضوخ لدواعي الشهوة، فإنه فرع عن قسوة القلب ، الناشئة عن البعد عن الوحي . قالها الوحي بوضوح﴿ وشفاء لما في الصدور ﴾ فإذا شفيت الصدور استجابت لكل خير ولفظت كل شر.
– مواصلاً حديثه حول التدبر بعنوان “الشاردون” تكلم الكاتب عن حالات الانحراف عن التدين والتفاوت بينها من حيث أصل مشكلتها علميةً كانت أو سلوكية وما في القرآن من بيان العلم والحق في مثل هذه القضايا المنهجية ما لايوجد في غيره.
– وتحت عنوان “تطويل الطريق” عكس الكاتب وجهة نظره حول أمر الإنحرافات الفكرية المعاصرة وتشكيكه في نجاعة التعويل على الدراسات الفكرية في تفنيد الأفكار الضالة الجديدة. ذاكراً أن الأمر بسيط فلو أفلحنا في إقناع الشاب المسلم بالإقبال على القرآن بالتدبر الصادق المتجرد للبحث عن الحق ، فإن “الدور المعرفي” قد انتهى وبقيت مرحلة الإيمان “فمن كانت نفسيته المعرفية سوية تنظر في “جوهر البرهان” وليس في “شكليات الخطاب” فلن يحتاج إلا لقراءة القرآن بتجرد ،أما من كان يعاني من عاهات في شخصيته الفكرية بحيث أنه يقدم وهج الديكور اللغوي على جوهر البرهان ، فهذا النوع المريض من الناس قد يحتاج فعلا بعض الكتابات الفكرية التي تخدعه ببعض الطلاء التسويقي” . داعياً لجعل القرآن ” أصلا ” وغيره من الدراسات الفكرية مجرد تبع.
– وفي مبحث “من مناطق التدبر” أجاب عن سؤال ماذا أتدبر بالضبط في القرآن؟ ذاكراً أن من أعظــم وجــوه ومفــاتيح الانتفــاع بــالقرآن تــدبر مــا عرضــه القــرآن مـن (حقائق العلم بـالله) وتـــدبر أخبـــار الأنبيـــاء الــتي ساقها القرآن وكررها في مواضع متعـددة ، ثم تـدبر أعمــال الإيمــان الـتي عرضها القــرآن كمعيــار للتقدم والرقي ومقـارنة حضـور هـذه القضـايا في الخطابـات الفكريـة لتجـده حضوراً شاحباً خجولاً. مختتماً هـذا المبحث بأن القـرآن ينبـوع يتنـافس النـاس في الارتشـاف منـه بقدر منازلهم.
– “كل المنهج في أم الكتاب” تحت هذا العنوان أفرد الكاتب هذا المبحث للحديث عن أعظم سورة في القرآن متسائلاً عن مغزى التعظيم الإلهي لها ، و كيـف أن التيـارات الفكريـة المخالفـة لأهـل السـنة تاهت في قضــــايا وجزئيــــات ومســــائل جعلوهــــا أعظــــم مطــــالبهم، وزهــــدوا في مطالـــب أخـــرى جـــاءت هـــذه الســـورة العظيمـــة بتقريرهـــا.مع ملاحظة اختلاف ترتيب الأولويات في كلِّ. ثم تحدث عن ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ باعتبارها جوهر السورة ، وهــــي جــــوهر مشــــروع الإصــــلاح، و قاعـــــدة النهضة، وهي منهج حياة . ثم ينتقل إلى الجزء الثاني من السورة حيث ذكر اختيار الله سـبحانه أن يكـون دعـاء أعظـم سـورة في القـرآن هـو “سـؤال الهدايـة” وهـذا يعـني أن الضـلال وشـيك خطـير مخـوف، “ومــــا إن يتجـــــاوز القـــــارئ لفـــــظ الهدايـــــة إلا وتبـــــدأ أولى محطـــــات الإشارة إلى “الصراع”، ذكـر الله بعـد ذلـك مباشـرة الإشـارة إلى محـل الهدايـة وهـو “الصـراط” , ووصفه بأنه “مستقيم” أيضاً.
– وفي “دوي الليالي الرمضانية” تعرض الكاتب لهوية رمضان في القرآن ، وأنه تأمـل الآيـات القرآنيـة الـتي تعرضـت لرمضـان في القـرآن فوجدها جــاءت في صــيغتين، صــيغة الشــهر الكامــل (رمضــان)، وجــاء في صيغة جزئية أي بعض أيامه فقط، وهي (ليلة القدر) وفي كلا الموضعين ذكر الله هذه الليلة عبر علاقتها بالقرآن . بـل حـتى (مراجعـة القـرآن) مـع النـبي صلى الله عليه وسلم اختـار الله لهـا رمضـان! وفي هذا إلماحٌ إلى أن السـاعات الرمضـانية هـي أشـرف الأزمـان وأليقها بـالقرآن . مورداً لكلام إبن تيمية حول الحكمة من صلاة التراويح: “بل من أجلِّ مقصود التراويح قراءة القرآن فيها، ليسمع المسلمون كلام الله” [الفتـاوى 23122] . ثم ذكر أن المرء إذا حـاول أن يتأمـل في سـر العلاقـة بـين رمضـان والقــرآن، أو أزمان الصـيام والقـرآن، فانـه يمكـن أن تكـون العلاقـة أن الصـيام يهـذب النفس البشرية فتتهيأ لاستقبال القرآن، ففي أيام الصـيام تكـون الـنفس هادئة ساكنة بسبب ترك الفضول ، مشيراً إلى أن مـن أعظـم مـا يعـين علـى تـدبر القـرآن وفهمـه التقلـل من الفضول مثــل فضــول الطعــام، وفضــول الخلطــة مــع النــاس، وفضــول النظــر، وفضول السماع، وفضول تصفح الانترنت.
– وفي “الحبل الناظم في كتاب الله” باح الكاتب بهم نفسي شخصي -كما سماه-، قضية كبرى وأولوية قصوى يجـب أن يقـوم بهـا ومـع ذلـك لازالـت ســاعات يـومه تتصــرم دون تنفيــذ هــذه المهمــة. في كـل مـرةٍ يتأمـل فيهـا القـرآن يشـعر أنـه لازال بعيـدا عـن جـوهر مراد الله ، ذاكراً أن الموضوعات في القـرآن تتعدد لكن هـذا الخـيط النـاظم هـو هـو، هـذه القضـية الـتي يـدور حولهـا القـرآن ويـربط كـل شـيء بهـا هـي “عمارة النفوس بالله” . وأنه تأمل بعد ذلـك في سـورة البقـرة كيـف يعـدد الله نعمـه على بني إسـرائيل ثم يختم بوظيفة ذلك كله ﴿ لعلكم تشكرون﴾ ، وكيـف اقتلـع تعـالى جـبلا مـن الجبـال ورفعـه حـتى صـار فـوق رؤوس بـني إسـرائيل، لمـاذا؟ لـيربي فـيهم شـدة التـدين والتعلـق بـالله، وأنه أتأمـل كيــف ذكــر الله حالــة “الخــوف” مـن الأعــداء ونحوهـا، فلــم يســقط الصــلاة، بــل أمــر الله بهــا حـتى في تلــك الأحــوال الصــعبة، وحـــين ذكــــر الله المعاصـــي والخطايـــا إذ يقارفهــــا ابــن آدم فــــإن القــرآن يفــتح بــاب ذكــر الله أيضــاً والمقصود أن ينظر متدبر القـرآن كيـف يريـد الله قلوبـاً تسـتديم التعلـق به في كل حال.
– وفي ختام كتابه ذكر عدداً من المعالم العامة في طريقة التدبر، كالتضرع لله عز وجل ودعوته أن يجعلك من أهل لقرآن ، ووضع حزب يومي للتدبر ، وأن يكون التدبر الشخصي هو الأصل والتفسير معين لا العكس ، وأن يضع الإنسان لأهل بيته برنامجاً في التفسير فيقرأون ويتبارون في الاستنباط. وأخيراً أن يضع الإخوان لبعضهم برنامجاً أسبوعياً يحضّر كل منهم من تفسير معين ثم يتدارسون معانيه . وذكر أنه لا يعلم درساً شرعياً في كل علوم الإسلام أسسه النبي صلى الله عليه وسلم وأصّله نظرياٍ بنفسه إلا تدارس القرآن. اللهم اجعلنا من أهل القرآن.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.