اسم الكتاب : قضايا المرأة في الخطاب النسوي المعاصر – الحجاب أنموذجاً.
المؤلف : ملاك ابراهيم الجهني.
دار النشر : مركز نماء للبحوث والدراسات.
عدد الصفحات : ٤٨٨ صفحة.
تاريخ النشر : ٢٠١٥ ميلادي.
يعتبر كتاب قضايا المرأة في الخطاب النسوي من الكتب الابتدائية الجيدة للتعرف على الحركة النسوية من وجهة نظر إسلامية، ومن أفضل ما فيه أنه جاء بقلم امرأة، وعرضه كالآتي:
• القطرة الأولى :
إن قضية الحجاب من أكثر القضايا مساساً بالمرأة، ويوجد مسارات نسوية معاصرة ترفضها باعتبارها شكلاً من أشكال التمييز ضد المرأة لذا اختارت الكاتبة تناولها.
• مدخل تعريفي :
اشتمل البحث على مصطلحات منها :
١. الخطاب : لغةً يعني الكلام واصطلاحاً كما عرفه طوني بينيت أنه بناء من الأفكار يحمل وجهة نظر.
٢. النسوية: لغةً من جمع مرأة، واصطلاحاً عرفتها ريان فورث في كتابها النسوية والمواطنة بأنها وصف “الأفكار والحركات التي تتخذ من تحرير المرأة، او تحسين أوضاعها بعمق هدفها الأصلي”.
٣. الحجاب : لغة يعني الستر، وحجاب المرأة المسلمة هو “لباس شرعي سابغ تستر به المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب، ويندرج ضمن جملة من الأحكام الشرعية الاجتماعية التي تنظم علاقة المرأة بالرجال في المجتمع”
● الفصل الأول : منطلقات الخطاب النسوي المعاصر:
ينطلق الخطاب النسوي في تناوله لقضايا المرأة من منطلقات نظرية ومنطلقات منهجية إجرائية :
︎المبحث الأول : المنطلقات النظرية :
تنطلق الخطابات النسوية في تناولها لحقوق المرأة من منظورين هما المنظور العلماني والمنظور الإسلامي .
︎أولاً : المنظور العلماني :
1. الخلفية التاريخية :
ظهرت الحركة النسوية قبل قرن ونصف، ولكنها ظهرت في العالم الإسلامي في أواخر القرن التاسع عشر في مصر عبر كتابات قاسم أمين والاتحاد النسوي المصري، ولكن النسوية حينها لم تكن تابعة للغرب كما هو الحال مع نسوية أواخر القرن العشرين.
2. الإطار المفهومي:
ترى النسويات في هذا المنظور أن النسوية لا يمكن إلا أن تكون علمانية، ترى بفصل الدين عن الفضاء العام وحصره في الممارسات الفردية.
3. الرؤية الناظمة :
تمثل الحداثة حجر الزاوية للخطاب النسوي العلماني.
4. المرجعية الحقوقية :
ينطلق من مرجعية مدنية لحقوق الإنسان ممثلة في منظومة حقوق الإنسان العالمية.
5. استراتيجيات التغيير المجتمعي :
يرى الخطاب النسوي العلماني بضرورة تكريس معيارية المنظومة الحقوقية وحاكميتها على الشريعة الإسلامية وعلى التخطيط لنهضة نسائية تستند لمرجعية مدنية فقط.
︎ثانياً : المنظور الإسلامي:
1. الخلفية التاريخية :
بدأ تبلور هذا المصطلح في مطلع التسعينات من القرن العشرين، في إيران ثم ماليزيا ثم مصر، ولم يكن هذا المصطلح مشهوراً رغم المؤتمرات التي أقيمت له، ويفسَّر ظهور النسوية الإسلامية بعدد من الأسباب منها الرغبة في طرح خطاب نسوي إسلامي في مقابل الخطاب النسوي الراديكالي الهدمي، ومقاومة نسوية الدولة، وتحسين صورة الإسلام .
2. الإطار المفهومي :
من التعريفات المطروحة للنسوية الإسلامية أنها “مجموعة من الأساليب وأنماط السلوك ذات الصلة بالعدالة والمساواة والجنوسة والمؤطرة بالقيم الإسلامية”.
3. الرؤية الناظمة:
إن الرؤية الناظمة للنسوية الإسلامية هي الحداثة أيضاً أو الحداثة التوفيقية مع الإسلام.
4. المرجعية الحقوقية:
تدعي النسويات الإسلاميات أن مرجعيتهن الشريعة الإسلامية، إلا أنه من خلال تصريحاتهن نستطيع أن نلاحظ مرجعيتهن للقوانين الدولية لحقوق الإنسان .
5. استراتيجيات التغيير المجتمعي:
أ. إعادة قراءة النص الديني وتقديم الاجتهادات النسوية البديلة.
ب. المطالبة بتعديلات قانونية تتضمن الاجتهادات النسوية الشرعية.
■ المبحث الثاني : المنطلقات المنهجية الإجرائية :
يندرج النقد الموجه للأحكام الإسلامية المتعلقة بالمرأة -ومنها الحجاب- تحت ما يسمى بالنقد النسوي؛ والذي تتعدد منطلقاته الإجرائية، وينفتح على مختلف المفاهيم والمناهج والنظريات والعلوم.
ومن أبرز المنطلقات للخطاب النسوي العلماني والإسلامي القول بتاريخية النص، ومنهج جاك دريدا التقويضي الهيرمينوطيقا والسيمولوجيا والتحليل النفسي والجندر، وقد استخدمت أدوات المنظومة الفقهية ومفاهيم الهيمنة الذكورية والبطريركية والسلطة، كما استخدم مصطلح الإسلام المستنير ومفهوم الاستشراق والدراسات الثقافية.
خلاصات : النسوية بين الإسلامية والعلمانية :
إذا كانت النسوية الإسلامية تنطلق من أرضية مسلمة -كما تدعي- فنعم النسوية هي، ولكن الإسلام الذي يدَعونه فهو مجرد عقيدة وشرائع قابلة للإنحناء لتطابق النسوية بمفهومها الغربي الحداثي.
● الفصل الثاني : إشكالات الخطاب النسوي المعاصر :
يتوجه النقد الإسلامي لمنطلقات النسوية لإشكاليتين :
■ المبحث الأول : الإشكالية الثقافية :
وهي تعني بالمحضر الثقافي الذي فيه الحداثة والنسوية والعلمانية وحقوق الإنسان في تاريخ الإسلام.
وسيتم تناول الإشكالية عبر محاور :
▪ المحور الأول : العلمانية بوصفها وليدة سياقات تاريخية معينة :
ظهر مصطلح العلمانية بعد انتهاء حرب الثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت، عام ١٦٤٨م وهذا التاريخ هو البداية الرسمية لظهور الدولة القومية الحديثة، والعلمانية من المفاهيم الخلافية المثيرة للجدل، ولكن يمكن تعريفها حسب الظرف التاريخي الذي نشأت فيه بأنها “حركة سياسية لفصل الدين عن الدولة”.
ولنشأة العلمانية سببان محوريان، وهما: جدلية العلم والدين، والتحولات الاجتماعية والصناعية والاقتصادية.
▪ المحور الثاني : الحداثة بوصفها منظومة فكرية مترابطة :
يشير مفهوم الحداثة إلى سياق تاريخي معين، يؤرخ له باكتشاف العالم الجديد، ويسجل عام ١٥٠٠م، تاريخاً مفصلياً سجل نهاية العصور الوسطى وبداية العصر الحديث، بالنسبة للتاريخ الغربي، ورغم الاختلاف والتنوع الكبير في فكر الحداثة الغربي، إلا أنه يوجد ثوابت وأسس فلسفية عامة توجد في كل النتاج الفكري الحداثي الغربي، ويمكن عرض هذه الأسس وكذلك انعكاساتها كالآتي :
*الأساس الأول : الإنسانوية :
معظم تعريفات الإنسانوية تدور حولمركزية الإنسان ومحوريته في الوجود والمعرفة والتاريخ، ويرى بعض الباحثين صعوبة تقديم تعريف واضح لمضامين الإنسانوية وذلك لأنها أشبه بالفكر الانقلابي الثوري الذي لا يحمل مبادئ واضحة، ويهدف إلى تقويض ونزع القديم، كما أنها عبرت عن مضامينها في الفن والأدب والأخلاق أكثر من المجال الفكري النظري.
وقد أدت الإنسانوية للقطيعة مع الله والتي أدت بدورها للقطيعة مع الماضي والتاريخ المسيحي، وكذلك القطيعة مع القيم الأخلاقية،وجاءت أفكار اوغست كونت والذي وضع أسس الفلسفة الوضعية التي يقوم عليها الفكر الغربي الحداثي.
• الأساس الثاني : العقلانية :
بعد أن قال الإنسان بمركزيته في الكون احتاج لمصدر جديد ليستمد منه الحقائق، فكان العقل هو هذا المصدر.
ويعتبر رينيه ديكارت اول من أسس العقلانية الحديثة، وقد ترتب عن عقلانية ديكارت رد اليقين المعرفي إلى الذات، ورد المعرفة الميتافيزيقية إلى الذات، كما أدت عقلانية ديكارت إلى فصل العقل عن النفس وتعميم الطابع المادي عليه.
• الأساس الثالث : مبدأ الحركة وقانون التطور العام :
أدرك إنسان عصر الحداثة أن الحركة شاملة للكون بأسره، ونفى فكرة السكون والثبات، وبهذا الانقلاب شكلت الحركة الركيزة الثالثة للحداثة. وقد أنتج مبدأ الحركة وقانون التطور فكرتين وهما التقدمية والمادية. وفكرة التقدم تعني تحرك الحضارة واستمرار تحركها في الحاضر والمستقبل.
نحن الاتجاه المرغوب
وقد استعاضت الحداثة الغربية عن الإيمان بالعناية الإلهية للإيمان بالتقدم. ويتجلى قانون الحركة في المادية وهي عصارة الفكر الغربي، ومعنى المادية فلسفياً هو أن المادة هي الحقيقة الوحيدة، والوجود وعملياته ومظاهره ما هي إلا مظاهر أو نتائج للمادة، وأنه لاشيء في الوجود فوق المادة، وأنها تستنثني إمكانية وجود إله، كما ترى العقل شيئاً مادياً. كما تقوم المادية بنفي ما وراء الطبيعة ولذلك فإن الحضارة الغربية توصف بالمادية.
▪ المحور الثالث : حقوق الإنسان بوصفها عضواً أصيلاً من جسد الحضارة الغربية :
ظهرت فكرة حقوق الإنسان في الغرب وارتبطت بالصراع السياسي ضد السلطة المطلقة، ولم تظهر فكرة حقوق الإنسان بمعناها الحديث إلا بعد ان احتل الإنسان مركزية الوجود. وتقوم حقوق الإنسان على مقومات، هي الحرية والعقد الاجتماعي والحق الطبيعي.
▪ المحور الرابع : النسوية باعتبارها رؤية أنوثية للوجود من منظور حداثي :
حاولت الغربيات التوفيق بين الدين ومتغيرات العصر قبل أن يستبعدوه، كما اضطرت النساء إلى الخروج والعمل وذلك بعد انهيار النظام الإقطاعي، وقد واجهن التحيزات الجنسية ضدهن، فبدأت الحركة النسوية بموجتها الأولى والتي انتهت بحصول المرأة على حق التصويت، وبعد ذلك بدأت النسوية تطالب بالتحرر الكامل من منطلق حداثي.
▪ المحور الخامس : متتالية العلمانية والحداثة والنسوية وحقوق الإنسان :
تتسم كل من العلمانية والحداثة والنسوية وحقوق الإنسان بالسيرورة والتتابع والتتالي.
المحور السادس : الفكر التوفيقي باعتباره استجابة للاحتكاك الحضاري :
وتشكل النسوية الإسلامية فكراً توفيقياً بين الإسلام والنسوية ناتجاً عن الاحتكاك بالحضارة الغربية
■ المبحث الثاني : الإشكالية المنهجية :
تستند المناهج الحداثية المستخدمة من قبل النسويات في إعادة قراءة النص الشرعي إلى عدة أسس أبرزها الأساس الإنسانوي، والأساس الفرضي والأساس الأيديولوجي والأساس النسبي، وسيتم بيانها كالآتي:
– المحور الأول : الأساس الإنسانوي :
يرجع هذا الأساس للرؤية بمركزية الإنسان في الكون، ومنه قامت الكنيسة البروتستانتية بقراءة النص الديني معتبرة الإنسان هو محور فهم النص.
– المحور الثاني : المحور الفرضي :
تقوم الكثير من مفاهيم الحضارة الغربية على فرضيات غير مثبتة، أي فرضية ذهنية لا ترقى للجزم، مثل فرضية النظام الأمومي.
– المحور الثالث : الأساس الأيديولوجي :
قد بدى التأثر الايدولوجي واضحاً لدى النسوية الإسلامية خصوصاً في معاملتها قضايا المراة ورؤيتها للجندر.
– المحور الرابع : الأساس النسبي :
رغم الأصول الفلسفية الغربية القائلة بالنسبية والتاريخية، إلا ان الثقافة الغربية تقدم نفسها على انها معيار الثقافات الاخرى.
●الفصل الثالث : الحجاب في تطبيقات الخطاب النسوي المعاصر :
تنوعت مقاربات الخطاب النسوي للحجاب إلى حد كبير ومن هذه المقاربات :
اولاً : المقاربة التاريخية للحجاب :
تهدف هذه المقاربة إلى معرفة الأبعاد التي تمثل الجذور التي انبثق منها الحجاب، ومن هذه الأبعاد البعد الثقافي والاجتماعي والطبقي والسياسي والنفسي للحجاب وتشريعه.
المقاربة السيمائية للحجاب :
تتعاطى النسويات مع الحجاب بوصفه زياً من الأزياء الرمزية والمعبرة عن تصورات ذهنية وثقافية، مثل أنه علامة سلطة وشرف للرجل، وعلامة تأثيم وبراءة مستحيلة للمرأة وأنه علامة للانتماء لتيار الإسلام السياسي وأنه علامة للتمييز الجندري وعلامة ملكية وهيمنة الذكر وقهر وعنف ضد المرأة وتأويل رجعي للإسلام.
إلا ان الحجاب علامة اختيار المرأة العفة والطهارة وتوحدها مع ذاتها ورفض تشيئها وعلامة لأنسنة العلاقات بين الجنسين ورفض للاستتباع الحضاري.
المقاربة التحليلية النفسية للحجاب : قرأت النسويات الأحكام الشرعية من منطلق التحليل النفسي، ومن ذلك قراءتهن لتشريع الحجاب.
المقاربة النصية للحجاب :
تعنى هذه المقاربة بمعالجة النصوص الآمرة بالحجاب وأسباب نزولها، وتمحورت المقاربة حول ثلاث تأويلات وهي إضفاء النسبية والتاريخية على الحجاب، وأن مقصود الدلالة على الحجاب هو الاحتشام فقط وأنه ليس خاصاً بالنساء، وتأويل دلالات ضرب الخمر وحفظ الفروج الواردة في النصوص القرآنية.
الدرس النسوي في نقض الحجاب
يتجلى القسم الأكبر من تطبيقات الحجاب في الخطاب النسوي الحداثي، في المقاربات الناقصة لفرضية الحجاب والباحثة في أبعاده ودلالاته التاريخية والرمزية والنفسية والنصية، كما يتجلى ذلك بصورة أصغر في تدريس طريقة نقض الحجاب خطوة بخطوة، مع إبراز اهم أسئلة الدرس النسوي في نقض الحجاب.
الدفقة الأخيرة : قراءة إجمالية في الخطاب النسوي المعاصر :
ويمكن قراءة الخطاب النسوي المعاصر قراءة نقدية من ثلاث جوانب هي:
اولاً : سمات الخطاب النسوي:
ومن أبرز سماته التبعية الفكرية وغياب الأصالة والإبداع، والانتقائية الذرائعية وغياب الإنصاف والموضوعية، والعدوانية والإقصائية وتجزئة المنظومة الشرعية الإسلامية وتشويهها.
ثانياً : مفارقات الخطاب النسوي :وتتجلى في مفارقتين :
1. المفارقة الكونية والخصوصية :
وتحاول النسوية الإسلامية والعلمانية فرض الثقافة الغربية باعتبارها كونية دون مراعاة لخصوصية الثقافات الأخرى.
2. مفارقة المذهب والمنهج :
وتتجلى في مفارقة الموضوع و المنهج حيث قامت النسويات التوفيقيات بقطيعة مع منظومتهن الفكرية وتطفلن على منظومات أخرى، وكذلك مفارقة العلم والايدولوجيا، حيث أن المناهج النسوية محملة بحمولات أيديولوجية.
ثالثاً بياضات الخطاب النسوي :
وهي الإشكالات المسكوت عنها في الخطاب النسوي ومن أهمها إشكالهن في شروط العلم بالخطاب قبل نقضه وإهماله.
ويبقى التسليم لله تعالى في أحكامه هو أعظم أصل لدرء هذه المفاسد والله المستعان
…
يعتبر كتاب قضايا المرأة في الخطاب النسوي المعاصر كتاباً دسماً للغاية وذلك لسعة وغزارة إطلاع الكاتبة على الأطروحات النسوية بجانبيها التوفيقي والعلماني، إلا أنه قد يُعاب على هذا البحث قلّة الإحالة الى مراجع غربية للعلمانية والحداثة ونشأتهما في مقابل كثرة الإحالة إلى المكتبة العربية في هذا المجال، وهو ما يُقارب نقد الكاتبة نفسها للنسويات في اعتمادهم على كتابات المستشرقين كمرجعية للإسلام والتراث الشرقي.
وكذلك فإن الكتاب عمّم آراء بعض النسويات على الحركة كلّها، ويُمكن أن يُقرأ هذا التعميم في سياق أن هؤلاء النسويات يُعتبرن من المؤسّسات للحركة النّسوية وواضعات أصولها النظرية.
وأعتقد ان الكتاب شمل دعوة ضمنية بتكوين خطاب مدافع عن الحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة، وهو الأمر الضروري والمهم للغاية لا سيما في وقتنا الحالي.
والله أعلم.