أُقيمت خلال الأسبوع الماضي دورة “مدخل إلى نموذج سوق الأعمال السياسي لأليكس دي وال”، والتي قدمها أ. الحارث عبد الله.
تضمنت الدورة ثلاثة محاضرات:
دارت المحاضرة الأولى حول مفهوم السياسة الحقيقية والنظرية السياسية، وناقشت حقيقة التعقيد المصاحب للظاهرة الإنسانية مما يجعل عملية اختزال تفسير أي جانب من جوانبها في نظرية واحدة أو مقاربة واحدة أمرًا صعبًا، وتحدثت عن حقيقة أن الواقع السياسي ليس معطًى تجريبيًّا يمكن رصده بالحس المباشر بل أي تفسير أو فهم سياسي يقتضي وجود نظرية سياسية تفترض نظرة معينة لماهية السياسة، كما ذكر أندرو هيود: “إن جميع الناس مفكرون سياسيون، سواء علموا بذلك أم لم يعلموا”. وناقشت أن هذه النظريات السياسية المختلفة تتفاوت في درجة مصداقيتها على الواقع وعلميتها، وهنا تأتي أهمية اتباع المنهج العلمي لوصول لمقاربات وتفاسير أكثر صدقًا من غيرها.
أما المحاضرة الثانية فقد كانت حول نموذج سوق الأعمال السياسي باعتباره مقاربة نظرية ونموذج تحليلي يحاول فهم المأزق السياسي الذي تمرّ به الدول في القرن الأفريقي والتي مرت خلال فترة الثمانينات من القرن العشرين بحالات فشل للدولة واندلاع نزاعات مسلحة وحروب أهلية وتراجع في حكم القانون وسيادة الدول، مع وجود انتشار واسع للعنف، نموذج سوق الأعمال السياسي -والذي يعرفه دي وال باعتباره نظام الحكم الذي تقع عملية تبادل الأموال والموارد والخدمات والتعاون السياسي في القلب من أهدافه، بدلًا عن حكم القانون والمؤسسات-، يحاول النموذج فهم هذه المشكلة لا باعتبارها ميلًا عن مسار تقدمي مفترَض مسبقًا نحو التحديث، ولكن باعتباره نظامًا للحكم مُحَدَّث عن الأشكال الأبوية/العشائرية patrimonial ومتكيّف مع البنية المضطربة للواقع السياسي والاقتصادي لدول القرن الأفريقي، لا باعتباره مجرد بقايا لنظام قديم على وشك المرور خلال صيرورة التحديث، إضافة لمناقشة الظروف التي انبثق فيها والمتغيرات الرئيسية التي تحكم السياسة الحقيقية في مثل هذا النظام وكيف يؤثر كل من هذه المتغيرات على بنية سوق الأعمال السياسي ككلّ.
أما المحاضرة الثالثة فقد كانت حول تاريخ انبثاق سوق الأعمال السياسي في السودان، عبر تتبّع النقاط الحرجة في مسار السياسة السودانية منذ حكم الرئيس جعفر نميري وحتى ما بعد الثورة، حيث تحدث أليكس دي وال أن سوق الأعمال السياسي مرتبط بتسليع الوظائف العامة والخدمات والتعاون السياسي، ثم ناقش الكيفية التي حدث بها هذا التسليع بعد تسليطه الضوء على انقسام قديم في الجغرافيا الإدارية للسودان بين وسط محكم التنظيم تركّز عنده الإنفاق والخدمات الحكومية، وهامش مدار بواسطة الإدارة الأهلية وشبه مهمَل حكوميا من التنمية والخدمات، وذكر أن تسليع الساحة السياسية في المركز حدثت عبر الفساد الواسع الذي بدأ مع نميري والقروض التنموية التي أخذها وكانت الرقابة عليها ضعيفة، ونمو التمويل السياسي، وفي الهامش عبر عمليات مكافحة التمرد عبر شراء خدمات المليشيات، وعبر معاهدات السلام. وانتهت المحاضرة بمناقشة لميزات النموذج وحدوده في قدرته على تقوية الفهم في ما يخص السياسة السودانية وحاضرها ومآلاتها المختلفة.
جانب من حضور الدورة